"وحَضَرتُ دارَ الوَزِير أبي طَالِب بن العَلقَميِّ في سَنَة خَمْسِين وسِتمائة، وكُنْتُ قد توجَّهتُ رَسُولًا عن المَلِكِ النَّاصِر صَلاح الدِّين يُوسُف بن مُحَمَّد، في أيَّامِ المُسْتَعْصِم بالله، إلى دارِ الخِلَافَةِ، فسَمِعتُه يُنْشدُ بين يَدي الوَزِير قَصِيدَةً في مَدْح المُسْتَعْصِم في الحادي عَشر من ذِي الِحجَّة … ".
وفي تَرْجَمَة إسْمَاعِيْلَ بن حَامِد بن عبدِ الرَّحْمن القُوصِيّ، وفيها ما قد يُفْهِمُ أنَّ القاضي نَجْم الدِّين عَبْد الله بن مُحمَّد البَادرائيّ (ت ٦٥٥ هـ)، هو مَن حَمَل جَواب الرِّسالةِ (الجزء الرَّابع):
"أنْشَدَنا أبو المَحَامِد القُوصِيّ بدِمَشْق، وهو أوَّلُ اجْتِمَاعي به، بحَضْرَة نَجْم الدِّين البَادَرَائِيّ رسُولِ بَغْدَاد، وكُنْتُ قَدِمتُها رَسُولًا، قال: أنْشدَنا أبو جَعْفَر بن حَوَاري المَعَرِّيّ … ".
ونُقَدِّرُ أنَّ ابنَ العَدِيْم أمْضَى في سِفَارتِه هذه نحو أرْبَعة أشْهُرٍ، إذا كان ببَغْدادَ في شَوَّال من عام ٦٥٠ هـ، ثُمَّ مرَّ بالمَوْصِلِ في مُحَرَّم سَنَة ٦٥١ هـ، حَسْبما ذَكَرَ في ترجَمَة أحمدَ بن مُحَمَّد بن أبي الوَفَاء الرَّبَعِيِّ، أبي الطَّيِّب المَعْرُوف بابنِ الحَلَاوِيّ المَوصِليّ (الجزء الثَّالث):
"ثمّ عادَ - أي ابن الحَلَاويّ - إلى المَوْصِل وأقامَ بها … واجْتَمَعْتُ به فيها، وأنْشدَني مَقَاطِيعَ من شِعْرِه، وكانَ حينئذٍ قد غَيَّر مَلْبُوسَهُ وتَزَيَّا بزيّ الأجْنَاد، وكان اجْتِمَاعي بهِ بالموصل بمَشْهَدِ البَرَمَةِ يَوْمَ التَّاسِعِ من مُحَرَّم سَنَة إحْدَى وخَمْسِين وستِّمائة".
وكانتْ سِفَارتُه الثَّالثةُ إلى بَغْدَادَ في سَنَةِ ٦٥٤ هـ؛ أرْسَلهُ السُّلْطانُ المَلِكُ النَّاصِرُ يُوسُف صاحِبُ حَلَبَ ودِمَشْقَ (الدِّيَار الشَّاميَّة)، رَسُولًا إلي الخليفةِ المُسْتَعصِم بالله، وصُحْبَتهُ تقدمة جَليلة، وطَلَبَ ابنُ العَدِيْم خِلْعَةً من الخليفة للمَلِك