للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَقْف وأمر بتَجْدِيد مَشْهَد الدَّكَّة.

أخْبَرَني عِزّ الدِّين أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد بن الأَثِيْر الجَزَرِيّ، قال (١): كان قَسِيمُ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر أحْسَنَ الأُمَرَاءَ سِيَاسَةً لرعيَّتهِ، وحِفْظًا لهم، وكانت بلادُه بين عَدْلٍ عامٍّ، ورُخْصٍ شَاملٍ (a)، وأمنٍ وَاسعٍ، وكان قد شَرَط على أهْل كُلّ قَرْيَة في (b) بلادِهِ متى أُخذ عند أحدِهم (c) قَفْل، أو أحَدٌ من النَّاس، غرَّمَ أهلها جميع ما يُؤخَذُ من الأمْوَالِ من قليل وكَثِيْر، فكانت السَّيَّارة، إذا بلَغُوا قَرْيَةً من بلادهِ، ألْقَوا رحَالَهُم ونَامُوا، وقام أهْلِ القَرْيَة يَحْرسُونَهُم إلى أنْ يَرْحَلُوا (d)، فأمِنَت الطُّرُق، وتحدَّث الرُّكبَانُ بحُسْن سِيْرتهِ.

سَمِعْتُ وَالدِي القَاضِي أبا الحَسَن، رَحِمَهُ اللَّهُ، يقُول لي فيما يَأْثِرهُ عن أسْلَافه: إنَّ قَسِيمَ الدَّوْلَة آقْ سُنْقُر كان قد نادَى في بَلَد حَلَب بأنْ لا يَرْفعَ أحدٌ مَتاعه ولا يحفظُه في طَريق، لِمَا حَصَل من الأمن في بلادِهِ.

قال (٢): فخرَجَ يَوْمًا يصيَّدُ، فَمرَّ على قَرْيَةٍ من قُرَى حَلَب، فوجَد بعض الفَلَّاحِين قد فَرغ من عَمَل الفَدَّان وطَرح عن البَقَر النِّيْرِ ورَفعَهُ على دَابَّةٍ ليحْملَهُ إلى القَرْيَة، فقال له: ألَم تَسْمَع مُناداة قَسِيم الدَّوْلَة بأنْ لا يرْفع أحدٌ مَتاعًا ولا شَيئًا من مَوِضِعه؟ فقال له: حَفِظَ اللَّهُ قَسِيمَ الدَّوْلَة؛ قد أمِنَّا في أيَّامِهِ، وما نَرْفع هذه الآلَة خَوْفًا عليها أنْ تُسْرق، لكن هنا دَابَّةٌ يقال لها ابنُ آوَى تأَتي إلى هذا النِّيْر فتأكُل الجِلْدَ الّذي عليه، فنحنُ نَحْفَظه منها، ونَرْفعُه لذلك.

قال: فعاد قَسِيمُ الدَّوْلَة من الصَّيْد، وأمر الصَّيَّادين (a) فتَتَّبَعُوا بناتِ آوَى في


(a) ابن الأثير: بين رخص عام وعدل شامل.
(b) ابن الأثير: من.
(c) ابن الأثير: عندهم، وفي بعض نسخه ما يوافق المثبت.
(d) ب: رحلوا.
(e) قوله: "وأمر الصيادين" ساقط من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>