للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الآخر، قالا (١): سَمِعْنا جَدّك -يَعْنيان أباهما أبا الفَضْل هِبَة اللَّه- يقُول: لمَّا اشْتَدَّ الحِصَارُ على حَلَب، وقلَّتِ الأقْوَاتُ بها، وضاق الأمْرُ بهم، اتَّفَق رأيُهم على أنْ يُسَيِّرُوا: أَبِي؛ القَاضِي (a) أبا غَانِم قاضي حَلَب، والشَّريف زُهْرة، وابن الجِلِّيّ، إلى حُسام الدِّين تَمُرْتاش إلى مَارِدِين وكان هو المُستَولي [على] (b) حَلَب، وهي في أيْدي نوَّابهِ، وقد تَركها ومَضَى إلى مَارِدِين، واشْتَغَل بمُلْك تلك البِلاد عن حَلَب.

قال: فاتَّفَقُوا على ذلك، وأخْرَجُوا أبي والشَّريف وابن الجِلِّيّ ليلًا من البَلَد، فلمَّا أصْبَح الصَّبَاحُ، صَاح الفِرِنْج إلى أهْل البلَدِ: أين قاضِيكم وأينَ شَرِيفُكُم؟ قال: فانْقَطَعت ظُهُورُنا وتشوَّشَت قُلُوبُنا، وأيقنَّا بأنَّهم ظَفرِوا بهم، فوصَلَنا منهم كتابٌ يُخْبر أنَّهم قد وصَلُوا إلى مكانٍ أُمِنَ عليهم بالوُصُول، فطابت قُلُوب أهل حَلَب لذلك.

قال عَمَّي ووَالدي: فسَمِعْنا والدنا يَقُول: سَمِعْتُ أبِي أبا غَانِم يَقُول (c): لمَّا وصَلنا إلى مَارِدِين، ودخَلنا على حُسام الدِّين تَمُرْتاش، وذَكَرنا له ما حَلَّ بأهْلِ حَلَب وما هُم فيه من ضِيْقِ الحِصَار والصَّبْر، وَعَدَنا بالنَّصْرِ، وأنَّهُ يتوجَّه إليها ويُرَحِّل الفِرِنْجَ عنها، وأنْزَلنا في مكانٍ بمَارِدِين، وجعلْنا نُطالبُه بما وَعَد وهو يُدَافعُنا من يَوْمٍ إلى يَوْم، وكان آخرُ كلامه أنْ قال (b): خَلُّوهم إذا أخَذُوا حَلَب عُدْتُ وأخَذْتُها، فقُلْنا في أنفُسنا: ما هذا إلَّا فُرْصَة، وقُلْنا له: لا تَفْعل ولا تُسْلِم المُسْلمِيْن إلى عَدُوّ الدِّين! فقال: وكيف أقْدرُ على لقائهم في هذا الوَقْت؟ فقال له القَاضِي أبو غانم: وأيْشٍ هُم حتَّى لا تَقْدر عليهم؟ ونحنُ أهْلُ البَلَدِ إذا وصَلْتَ إلينا نَكْفيكَ أمْرَهُم.

قال القَاضِي أبو الفَضْل: فكتبتُ كتَابًا من حَلَب إلى والدي أبي غَانِم أُخبرُه فيه بما حَلَّ بأهل حَلَب من الضُّرّ، وأنَّهُ قد آل الأمرُ بهم إلى أكل القِطَاط


(a) قوله: "أبي القاضي" ساقط من ب.
(b) زيادة مُقتضاة.
(c) قوله: "سمعت أبي أبا غانم يقول" ساقط من ب.
(d) قوله: "أن قال" ساقط من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>