للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكِلَاب والمَيْتة، فوقَع الكتابُ في يد تَمُرْتاش، وشَقّ عليه، وغَضِب، وقال: انظُروا إلى جَلَدِ هؤلاءِ الفَعَلَة الصَّنَعَة، قد بلغَ بهم الأمْر إلى هذه الحالة، وهم يَكْتُمون ذلك ويتجَلَّدُون ويُغرونني ويقُولونَ: إذا وصلْتَ إلينا نَكْفك أمْرهم!.

قال القَاضِي أبو غَانِم: فأمرَ تَمُرْتاش بأنْ يُوكَّلَ علينا، فوُكِّل بنا مَنْ يَحْفظنا خَوْفًا أنْ نَنْفَصل عنه إلى غيره، فأعْمَلْنا الحِيْلَة في الهَرَب إِلى المَوْصِل، وأنْ نَمْضي إلى البُرْسُقِيّ ونَسْتَصْرخُ به ونَسْتَنْجدُه، فتحَدَّثنا مع مَن يُهَرِّبُنا، وكان للمَنْزِل الّذي كنَّا فيه بابٌ يَصرُّ صَرِيرًا عَظيْمًا إذا فُتحَ أو أُغْلق، فأمَرنا بعض أصْحَابنا أنْ يَطْرح في صَائر الباب زيْتًا ويُعالجه لنَفْتَحه عند الحاجَة ولا يَعْلمُ الجَمَاعَةُ المُوَكَّلُون بنا إذا فَتَحناهُ بما نحن فيهِ، ووَاعَدْنا الغِلْمَانَ إذا جَنَّ اللَّيْل أنْ يَسْرجُوا الدَّوَابّ ويأتُونا بها، ونَخْرُجُ خفْيَةً في جَوْف اللَّيْل ونَرْكَب ونَمضِي.

قال: وكان الزَّمانُ شتاءً، والثَّلْجُ كَثِيْرٌ على الأرْض. قال القَاضِي أبو غَانِم: فلمَّا نام المُوَكَّلُون بنا، جاءَ الغِلمَانُ بأسْرهم إلَّا غُلَامي يَاقُوت، وأخْبَر غِلْمَانَ رفاقي أنْ قَيد الدَّابَّةِ تعَسَّر عليه فَتْحه وامْتَنع كَسْره، فضَاقت صُدُورنا لذلك، وقلتُ لأصْحَابي: قُومُوا أنتُم وانْتَهزوا الفُرْصَة ولا تَنْتَظروني، فقامُوا وركِبُوا والدَّلِيْل معهم يدُلّهم على الطَّريق، ولَم يعْلَم المُوكَّلُون بنا بشيءٍ ممَّا نحنُ فيه، وبَقيْتُ وَحْدِي من بينهم مُفَكِّرًا لا يأخُذني نوْمٌ حتَّى كان وقتُ السَّحَرِ فجاءني يَاقُوتُ غُلَامِي (a) بالدَّابَّةِ، وقال: السَّاعَةَ انْكَسَر القَيْد، قال: فقُمْتُ وركبتُ لا أعْرفُ الطَّريقَ، ومَشيْتُ في الثَّلْج أطلبُ (b) الجِهَة الّتي أقْصدها.

قال: فما طَلع الصُّبْح إلَّا وأنا وأصْحَابي الّذين سَبَقُوني في مكانٍ واحدٍ وقد سَارُوا من أوَّل اللَّيْل وسِرْتُ من آخره، وكانُوا قد ضَلُّوا عن الطَّريق، فنَزلنا


(a) ب: غلامي ياقوت.
(b) ب: أقصد.

<<  <  ج: ص:  >  >>