للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهُ الباقُونَ أذًى شَدِيْدًا، فقَصَّ رُؤياه على أصْحَابه، فأشَاروا عليه بتَرك الخُرُوج من دَاره عدَّة أيَّامٍ، فقال: لا أترك الجُمُعَةَ لشيءٍ أبدًا، وكان يَشْهَدُها في الجَامِع مع العَامَّةِ، فحضَر الجَامعَ على عَادَتِه، فثَار به من البَاطِنِيَّة ما يَزِيدُ على عَشَرةِ أنْفُسٍ، فقَتَل بيدِه منهم ثلاثةً، وقُتِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

قَرأتُ بخَطِّ أبي الفَوَارِس حَمْدَانَ بن عبد الرَّحيم في تَارِيْخهِ الّذي جَمَعَهُ (١)، ووَقَعَ إليَّ منه أوْرَاق نَقَلْتُ منها في حَوَادِث سَنَة عشْرين وخَمْسِمائَة: أنَّ البُرْسُقِيّ سَلَّم حَلَبَ وتَدْبِيرها إلى وَلدِه الأَمِير عِزّ الدِّين مَسْعُود فدَخَلَ حَلَب، وأجْمَل السِّيْرَة وتحلَّى (a) بفعل الخَيْر، وسار أبوه إلى المَوْصِل والجَزِيرَتَيْن، وما هو جَارٍ في مَمْلكته حتَّى دخَل شَهْرُ ذي القَعْدَة من السَّنَة، فلمَّا كان يَوْم الجُمُعَة تَاسِع الشَّهْر قصَد الجامِعَ بالمَوْصِل ليُصَلِّي جَمَاعَةً، ويَسْمَع الخاطب كما جَرَت عادتُهُ في أكْثر الجُمَع، فدَخَل الجامعِ وقصَد المِنْبَر، فلمَّا قَرُبَ منه، وَثَبَ عليه ثَمانيةُ نَفَرٍ في زيّ الزُّهَّادِ فاخْتَرَطُوا خَنَاجِرَ وقَصَدُوه، وسَبَقوا (b) الحَفَظَةَ الّذين حولَهُ فضَرَبُوه حتَّى أثْخَنُوه، وجَرَحُوا قَوْمًا من حَفَظَته، وقَتَل الحَفَظَةُ منهم قَوْمًا، وقَبَضُوا قَوْمًا، وحُمِلَ البُرْسُقِيّ بآخر رَمَقِهِ إلى بَيْتِهِ، وهَرَب كُلُّ مَنْ في الجَامِع، وبطَلَتْ صَلَاةُ الجُمُعَةِ، ومات الرَّجُلُ من يَوْمهِ، وقَتَل أصْحَابُهُ مَن بَقي في أيْديهم من البَاطِنِيَّة، ولم يُفْلِت منهم سوى شَابٌّ كان من كَفَر نَاصِح (٢)؛ ضَيْعَة من عَمَل عَزَاز من شَمالي حَلَب.


(a) ب: وتجلى.
(b) ب: وسيقوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>