بدَعْوَى، فادْعُني حينئذٍ إلى مَجْلِس الحُكْم لأحْضُر إليكَ. وجاءَ إلى زَوْجَتِه الخَاتُون ابْنَة السُّلْطان مَحْمُود -فيما أظُنّ- وقال لها: وَكِّلِي وَكِيْلًا يُطالبُني بصَدَاقك، فوَّكَلَتْ وَكِيلًا، ومَضَى الوَكِيل إلى مَجْلِس الحُكْم، وقال: لي خُصُومَةٌ مع قَسِيم الدَّوْلَة البُرْسُقِيّ وأطْلبُ حُضُورَهُ إلى مَجْلِس الحُكْم، فسَيَّر القَاضِي إليهِ ودَعَاهُ، فأجابَ، وحَضَر مَجْلِسَ الحُكْم، فلم يَقُم له القَاضِي، وسَاوَى بينَهُ وبين خَصْمِه في تَرْك القيام والاحْترَام، وادَّعَى عليه الوَكِيلُ وأثْبَتَ الوَكَالة، واعْتَرَفَ البُرْسُقِيّ بالصَّدَاق، فأمَرَهُ القَاضِي بدَفْعه إليه فأخَذَهُ، وقام إلى خِزَانته ودفَع إليه الصَّدَاقَ.
ثمّ إنَّهُ أمَرَ القَاضِي أنْ يتَّخذ مِسْمَارًا على باب دَاره يُخْتم عليه بشَمْعَة، وعلى المِسْمَار مَنْقُوش: أجِبْ دَاعِيَ اللَّه، وأنَّه من كان له خَصْم حَضَر، وخَتَم بشَمْعَة على ذلك المِسْمَار ويَمْضي بالشَّمْعَة المَخْتُومة إلى خَصْمه كائنًا مَنْ كان، ولا يَجْسُر أحَدٌ على التَّخَلُّف عن مَجْلِس الحُكْمِ.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي طَاهِر السِّلَفِيّ: وسُنْقُر البُرْسُقِيّ وَلي العِرَاق سنين، وبَلَغ مَبْلَغًا عَظيْمًا، ثمّ وَلي ديار مُضَر ودَارُ مُلكْهِ المَوْصِل، ثمّ حَلَب، وكَثِيْرًا من مُدن الشَّام، وجَاهَد الإفْرَنْج، ثمّ قَتَلَهُ بعض المَلَاحِدَة، لَعَنَهُم اللَّهُ، وكان سَيْفًا عليهم، قلَّما يُرى في جَيْشه مثْله، رَحِمَهُ اللَّهُ ورَضِي عنه. رَأيتُه بالعِرَاق في حال ولَايته وبالشَّام قبل أنْ وليها.
قال لي عِزّ الدِّين أبو الحَسَن بن الأَثِيْر (١): في سَنَة عشرين وخَمْسِمائَة قُتِل آقْ سُنْقُر البُرْسُقِيُّ بالجامع العَتِيق (a) بالمَوْصِل بعد الصَّلاةِ يَوْمَ الجُمُعَة؛ قَتَلَهُ بَاطِنِيَّةٌ، وكان رَأى تلك اللَّيْلة في مَنامِهِ أنَّ عدَّةً من الكِلَاب ثَارُوا به، فقَتَل بَعْضَها، ونالَ
(a) لم يرد قوله "الجامع العتيق" عند ابن الأثير في كتابيه، وزاد في كتابه الكامل: البرسقي صاحب الموصل.