للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُرْج الغَنَم مِنْجَنِيْقًا، وتَواترَ ضَرْبُ المِنْجَنِيْق عليه، فأخَذَ عَوامُّ حَلَب شُقَّة أطْلَس وربطُوها على ذلك البُرْج اسْتزاءًا به، يَعْنُون أنَّ البُرْج قد صدَّعه رَأسُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق، فسَأل السُّلْطان عِن ذلك، فقالوا: إنَّهمِ قد عَصَّبُوا البُرْج، يَعْنُونَ أنَّ البُرْج قد صَدَّعَهُ رأسُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق، وقد عصَّبُوه على رأسه ليَسْتريح من الصُّدَاع الّذي يلحَقُه من ضَرْب المِنْجَنِيْق.

قال: فاسْتَشَاط السُّلْطانُ غَضَبًا، وفرَّق تلك اللَّيْلةَ في عَسْكَره كَذَا كَذَا ألف (١) فرْدَة نُشَّاب من الخَلَنْج غير ما كان من غيرها، وباكَرَ البَلَد بالزَّحْف حتَّى أشْرَفَ (a) على الأخْذِ، فخرَجَت إليه السَّيِّدة (٢) أُمّ مَحْمُود ومعها ابنها مَحْمُود، وحَمَلا مَفاتِيْح البَلَدِ والقَلْعَة ودَخَلا تحت طَاعته، ووطئا بسَاطة، والنَّاسُ في خِدْمته بالمَيْدَان صفَّان (b)، فدخَلَتْ وأبْنُها بين الصَّفَّيْن، وجَعَلا يُقَبِّلان الأرْض خِدْمَة له حتَّى انْتَهيا إليهِ، فأكْرَمهما وقال للسَّيِّدة: أنْت السَّيِّدةُ؟ فقالت: سَيِّدةُ قَوْمي، فاسْتَحْسَن ذلك منها، وردَّ البَلَد على ابنها وأكْرَمَهُ، وعاد إلى المَدِينَة مُكَرَّمًا مَسْرُورًا.

قال: وقَصَد بتَطْويل الحِصَار تَعْظيمَ البَلْدة لكونها مجُاورةً للرُّوم، فيَقَع عندهم أنَّ هذا السُّلْطان -مع عِظَم قَدْره، وكَثْرة عَسَاكِره- نَزَل عليها هذه المُدَّة، ولم يَنَل منها ما أراد، فلا يَطْمَعُ فيها العَدُوّ.

وقيل إنَّ السَّيِّدة أقامَتْ في البَلَد، وخَرَج مَحْمُودُ إليه، وأنَّ دُخُولَها عليه كان بالرُّها، توجَّهت إليهِ وهو مُتَوَجِّهٌ إلى حَلَب، فسَألها: أنْتِ السَّيِّدة؟ فأجابته بما ذَكَرَناهُ.


(a) ب: أشر.
(b) ساقطة من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>