وقَرأتُ بخَطِّ أبي الفَوَارِس حَمْدَان بن عبد الرَّحيم (١): أنَّ مَحْمُودًا ووالدتَهُ خَرَجا إليه، فعَفَا لهما عن حَلَب بعد أحدٍ وثَلاثين يَوْمًا من مَقامهِ. وسَمِعَ أنَّ مَلِك الرُّوم ديُوجَانِس قد خَرَجَ من القُسْطَنْطِينِيَّة على طَريق الثُّغُور والدُّرُوب، فرَحَلَ عن حَلَب بعد خُرُوج مَحْمُود إليه بخَمْسة أيَّام، وقصدَهُ حتَّى لحقَهُ على مَنَازْكِرْد، فحاربه حتَّى هَزَمَهُ، وأسَر مَلِكَ الرُّوم، وغَنِم مُعَسْكَره، وكانت عدَّة التُّرْك ستمائة ألف رَجُل.
وقَرأتُ في بعض التَّوَاريخ الّتي لم يُسَمّ جَامِعُها: أنَّ ألْب أَرَسْلَان العَادِل نَزَلَ على حَلَب مُحَاصِرًا لها في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين وأرْبَعِمائة، وبها مَحْمُود بن نصْر بن صالح، ثمّ مَلَكَها بالأمَانِ، [و] خرَج إليه مَحْمُود بنِ نَصْر في يَوْم الثّلاثَاء سَابع عَشر جُمَادَى الآخرة من السَّنَة، فأنْعَم عليه وآمنَهُ، وولَّاهُ حَلَب من قِبَله.
ثُمَّ رَحَلَ عنها في الثَّالث والعشرين من جُمَادَى الآخرة قَاصِدًا بَلَد الرُّوم في طَلَب مَلِكهم وقد تَوَجَّه إلى مَنَازْجِرْد، فلحقَهُ في عَسَاكِره وأوْقعَ به، فهزمَهُ، وقيل إنَّ مَلِكَ الرُّوم كان في ستّمِائة ألف، وألْب أَرَسْلَان في أرْبَعمائة ألف من الأتْراك، وحَصَل مَلِكُ الرُّوم أسِيْرًا في أيْدي المُسْلمِيْن، وصَار إلى ألْب أَرَسْلَان، فِلم تَزَل المُرَاسَلات بينه وبينه إلى أنْ تقرَّر إطْلاقه على مُهَادَنَة منها: أن لا يَعْرضَ لبلَادِ المُسْلمِيْن، ثمّ سيَّره إلى بلاده، فيقال إنَّ أهْل مَمْلكَته قتلُوه لأُمُور نَقَمُوها عليه.
قَرأتُ بخَطِّ الحافِظ أبي الخَطَّاب عُمَرَ بن مُحَمَّد العُلَيْمِيّ، وأنْبَأنَا بهِ أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن أحْمَد بن مُحَمَّد النَّسَّابَة عنهُ، قال: وَجَدْتُ بخَطِّ أبي الحَسَن يَحْيَى بن عليّ بن مُحَمَّد بن زُرَيْق: ذِكْرَ أخْبَارِ السُّلْطانِ الشَّهِيْدِ المُعَظَّم ألْب أَرَسْلَان، أبي
(١) الإشارة إلى تاريخ الأثاربي وعنوانه: "أخبار الفرنج" أو: "كتاب المفوف"، تقدم التعريف به في الجزء الأول، وانظر ترجمة الأثاربي في موضعها من الجزء السادس.