للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْمِينيَة قَاصِدًا لمتُمَلِّك الرُّوم، وأسْرَعَ في سَيْره بمَنْ خَفّ معَهُ، ووصَل فالْتَقَى مُتَمَلِّكَ الرُّوم بالقُرْبِ (a) من خِلَاط وتلك البِلاد، فاعْتَبر مَنْ وَصَلِ معه من عَسْكَره، فكانت عِدَّتُهم ثلاثةَ عَشر ألفًا، وتَصَافَّ العَسْكَران في يَوْم جُمُعَة، ووَقَف السُّلْطانُ عن قِتَالهِ (b) انْتِظَارًا لوَقْت الصَّلاة والدُّعَاءِ على مَنَابِر الإسْلَام، وتَرقُّبًا للإجَابَة في نُصْرة المُسْلِيْن، فلمَّا صَلَّى الظُّهْر ناجَزَهم الحَرْبَ فأظْفره اللَّهُ تعالَى بعَسْكَر الرُّوم، وأجْراهُ على جَمِيل العَادَة في الظَّفَر، ومَكَّنه ممَّن بَغَى وكَفَر، ونَهَبَ العَسْكَرَ بأَسْره، وأسَرَ مُتَمَلِّك الرُّوم، وأقامَهُ بينَ يَدَيْهِ ومعه باز وكَلْب صَيْدٍ، ثمّ أنْعَمَ عليه، وخَلَعَ وأكْرَمَهُ، واصْطَنَعَهُ وسيَّرَهُ مع قِطْعَةٍ من عَسْكَره ليُعيْدَهُ إلى بلادِهِ ومَمْلَكَته، فاخْتَلَّت الأُمُور عليه، ولم يتمّ له ما أراد، وذكر أنَّهُ كُحِّل ومات بعد مُدَّة.

ولَم يَجْرِ (c) في الإسْلَام منذ ظَهَر مثْلُ هذا الظَّفَرِ، ولا أُسِرَ للرُّوم مُتَمَلِّكٌ قبلِ هذا في الإسْلَام، وكان السُّلْطان سَأل مُتَمَلِّك الرُّوم عند حُضُوره بينَ يَدَيْهِ ما سبَبُ خُرُوجه وتَعْريضه نفسه وعَسْكَره لهذا الأمر، فذَكَرَ أنَّهُ لم يُرد إلَّا حَلَب، إذ كان كُلّ ما جَرَى على الرُّوم كان مَحْمُود هو السَّبَب فيه، والبَاعِث عليه لمَنْ قَصَدَها من التُّرْك.

وغَنِمَ من هذا العَسْكَر ما يَفُوت الإحْصَاء والعَدَّ، وتُجاوز الأمَدَ والحَدَّ، وبِيْعَ من غَنائمهِ ما يسُاوي مائة دِيْنار (d) بدِيْنارٍ واحدٍ، فللَّه الحَمْدُ على ذلك كَثِيْرًا.

قُلتُ: ومن ذلك اليَوْم عُرِفَ تَلُّ السُّلْطان بتَلِّ السُّلْطان (e) لنُزُول ألْب أَرَسْلَان على التَّلّ، وكان يُعْرف المكان أوَّلًا بالفُنَيْدق، وكان فيه فُنْدُق صَغِير


(a) ساقطة من ب.
(b) ب: قباله.
(c) الأصل وب: تجر.
(d) ب: مائة ألف دينار، والمراد سقوط فيمة المتاع الَّذي غنم حتَّى بيع ما ثمه مائة دينار بدينار واحد، انظر زبدة الحلب ١: ٢٦٧.
(e) قوله: "بتل السلطان" ساقط من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>