للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذُكِرَ عن هذا السُّلْطان أنَّهُ قال: أخْشَى أنْ أفْتحَ هذا الثَّغْر بالسَّيْفِ فيَصيرَ إلى الرُّوم، وراسَل السُّلْطانُ أُمَرَاءَ بني كِلَاب وأحْضَرهم من البَرِّيَّة، فوصَلُوا إليه، وعزَمَ على تقليدِ بعضهم وتَرْكه في مُقاتَلة (a) مَحْمُود، وعَوْده لأجْل ما بلغه من ظُهُور مُتَمَلّك الرُّوم ووُصُوله في الخَلْقِ العَظِيْمِ إلى بلادِ أَرْمِينيَة طَالِبًا لبِلَادِ خُرَاسَان، فشَعَر مَحْمُودٌ بوُصُول أُمَرَاءِ العَرَب، وأنَّهُ إنْ تمَّ ذلك خَرَج الشَّام من يده، فراسَل السُّلَيْمَانِيّ المُتَرَدِّد إليه كان في المُرَاسَلَة، يُعْلمه أنَّهُ قد عَزَم على وَطْء بسَاطِه وخِدْمته خَوْفًا ممَّا أشْرَف عليه، وخرَجَ إلى السُّلْطان (b) على غَفْلَةٍ منه في أوَّل شَعْبان من السَّنَة، فرأى منه من الإكْرَامِ والتَّشْرِيْف والخِلعَ (c) ما زادَ على أُمْنِيَّته، وفي الحال ردَّه إلى حَلَب، وقال: ارْجعِ إلى وَالدتكَ، وكانت والدتُه المَعْرُوفة بالسَّيِّدة علويَّة بنتُ وَثَّاب قد خَرَجَت إليه برسَالةِ ابْنها عند كَوْنه بالرُّهَا، وتردَّد خُرُوج مَحْمُود دفْعَةً بعد أُخْرى، وقرَّر معه السُّلْطانُ أنْ يَخْرُجَ بعَسْكَره ويُضِيفَ إليه السُّلَيْمَانِيّ، وأنْ يَتَوجَّها إلى بلاد دِمَشْق والأعْمَال المِصْرِيَّة ليفْتَحها، ففعَل ما أمر به (d).

وحَكَى الأَمِيرُ أبو الحَسَن عليُّ بن مُنْقِذ أنَّ خُوَاجَا بُنُ بُزُرْك الوَزِير سَألَهُ عندَ حُضُوره عنده وَقْت (e) خُرُوج مَحْمُود إليه عمَّن قُتِلَ بحَلَب في (f) يَوْم الحَرْب، فقال: إنَّهم نَفَرٌ يَسِيْر، فتعجَّب من ذلك، وقال: في ذلك اليَوْم رمي من الخِزَانَة بثمانين ألف فردَة نُشَّاب، سوى ما رَمَاهُ بَقِيَّة العَسْكَر، ودَفعَ اللَّهُ عن أهْل الشَّام، ولم يقاتل فيه مَدِينَةٌ ولا حِصْنٌ ولا سُبِيَتْ حُرْمَةٌ، ولا اعْتَرض لأحَدٍ (g) من المُسْلمِيْن وذلك من حُسْنِ سِيْرة (h) هذا السُّلْطان، وعِظَم هَيْبَته تَغَمَّدهُ اللَّهُ بالغُفْرَان.

وعاد السُّلْطانُ مُنْكَفئًا إلى بلادهِ على طَريق العِرَاق، مُعَرِّجًا منه نحو بلادِ


(a) في الأصل بإهمال التاء المثناة، والمثبت من ب، ولعله أيضًا: في مقابلة.
(b) قوله: "إلى السلطان" ساقط من ب.
(c) ساقط من ب.
(d) ب: أمره به.
(e) ب: عند.
(f) ساقطة من ب.
(g) ب: أحد.
(h) ب: سير.

<<  <  ج: ص:  >  >>