للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونَزَلَ السُّلْطانُ المُعَظَّمُ بنُقْرَة بَني أَسَدٍ إلى أرض قِنَّسْريْن إلى الفُنَيْدق (١)، والرُّسُلُ مُتَرَدِّدَةٌ إلى مَحْمُود ليَخْرُج إلى الخِدْمَة، وهو خائفٌ منه مُمْتَنِعٌ عليه، وتَمادَى الأمرُ نحو شَهْرين، وحصَّن مَحْمُود حَلَب، وجَفَل النَّاسُ من سَائر الشَّام إليها، ودَخَل الرُّعْبُ في قُلُوب النَّاسِ لعِظَم (a) هَيْبَته وبَأْسه ونَجْدَتهِ وما اجْتمع إليه من العَسَاكِر الجَمَّة والجُيُوش الكَثِيْفَة الضَّخْمَة (b)، وكان الأمرُ بخلاف ما ظَنّ النَّاس من ذلك الخَوْف (c)، وأنَّهُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لمَّا يَئِسَ من خُرُوج مَحْمُود إليه عاد مُنْكَفئًا من مَنْزِل يُعْرَفُ بالفُنَيْدق، ونَزَلَ حَلَبَ في آخر جُمَادَى الآخرة من السَّنَة، وكانت الخيامُ والعَسَاكِرُ من حَلَب، إلى نُقْرَهَ بَني أَسَد، إلى عَزَاز، إلى الأثَارِب، مُتَقاربَةٌ بعضُها من بعضٍ، وبعضُ العَسَاكِر ببلَد الرُّوم وسَائر مُرُوج الشَّام. وسَار بعضُ عَسَاكِره مع ابن جَابِر في سِقْلَاب المَوْصِلِيّ، أحد الكُتَّاب، إلى طَرابُلُس لتَقْرير أمْرها.

وأقام مُحَاصِرًا لحَلَب شَهْرًا واحدًا وبَوْمَيْن، ولم يقاتلها غير يَوْم واحدٍ، فحَدَثَني مَنْ كان مع الأمير مَحْمُود صَاحِب حلَب وهو يَطُوف داخل السُّور لتَحْريض النَّاس على القِتَالِ في وَقْت (d) الزَّحْف، وأنَّهُ لم يَعْبر مَحَلَّةً من مَحَالِّ حَلَب إلَّا وأهْلُها قد أشْرَفُوا على الهَجْم عليهم، ونُقِبَ البُرْج المَعْرُوف ببُرْج الغَنَم، وهو أحْصَنُ بُرْجٍ بها، وعُلِّق فظَفِر أهْلُ حَلَبَ بمَن دَخَل (e) ذلك النَّقْبَ، فأخَذُوا بعضَهُم ووِقع الرَّدْمُ على البَاقنِن، وحَمَل السُّلْطانُ في ذلك اليَوْم (f)، فوقَعَتْ يَدُ فَرَسه في خَسْف كان هُناك، وأصَابَ في الحالِ رأسَ فَرَسِه حَجَر المَنْجَنِيْق فرَكِبَ غيرها وعاد وصَرَف النَّاس عن الحَرْب بعد أنْ أشْرفَ البَلَدُ على الأخْذ.


(a) ساقطة من ب، وفيها: لهيبته.
(b) قوله: "وما اجتمع إليه. . . " إلى هنا ساقط من ب.
(c) ساقطة من ب.
(d) ب: في يوم.
(e) ساقطة من ب.
(f) قوله: "في ذلك اليوم" ساقط من ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>