للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَمَالِيّ بالشَّام، وكانت المُرَاسَلَةُ في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين على يدِ الفَقِيهِ المَذْكُور، فحين وَرَد عليه إلى خُرَاسَان، جَهَّز العَسَاكِر الّتي تملأُ الفَضَاءَ، وتَضِيْق بها (a) الدّهْنَاء، عِدَّةً وعُدَّةً، ووصَل من بِلَادهِ على طَريقِ دِيَار بَكْر، ونَزَل الرُّهَا في أوَّل سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين، وأقام عليها نيفًا وثَلاثين يوْمًا، وسيَّر الفَقِيهَ المَذْكُور رَسُولًا إلى مَحْمُود بن نَصْر بن صَالِح صاحب حَلَب يَسْتدعيه إلى وَطْء بسَاطه وخِدْمَته أُسْوَة مَنْ وَفَد عليهِ من المُلُوك، مثْل شَرَف الدَّوْلَة مُسْلِمِ بن قُرَيْشٍ، وابن مَرْوَان، وابن وَثَّاب، وابن مَزْيَد، وأُمَرَاء التُّرْك والدَّيْلَم، فلم يَفْعَل، وخَاف منهُ.

فسَار عن الرُّهَا إلى الشَّام قَاصدًا له، وقَطَعَ الفُرَاتَ في النِّصْف من شَهْر رَبيع الآخر من السَّنَة، وهو اليَوْم التَّاسع عَشر من كانُون الثَّاني، وكان قد رَاسَلَهُ السُّلْطانُ في سَنَة اثْنَتَيْن وسِتِّين يأمرُه بإقامة الدَّعْوَة العبَّاسيَّة، والمُسَارَعة إلى الخِدْمَة، وأنْفَذ له خلعًا وتشريفًا، فامْتَثل ما أمَرَه من إقامة الدَّعْوَة للإمام القَائِم بأمْرِ اللَّه أَمِير المُؤْمنِيْن، والسُّلْطان المُعَظَّم بعده، ولبس الخَطِيبُ السَّوَاد، وبطلَت الدَّعْوَةُ المِصْرِيَّةُ من الشَّام في شَوَّال من سَنَة اثْنَتَين وسِتِّين.

ولمَّا قَطَع السُّلْطانُ المُعَظَّم الفُرَاتَ من نَهْرِ الجَوْز، نزَل بعض المُرُوج على الفُرَاتِ، فرآه حَسَنًا، فأُعْجِب به، فقال له الفَقِيه أبو جَعْفَر (١): يا مَوْلَانا، أحْمَد اللَّه تعالَى على ما أنْعَم به عليك، فقال: وما هذه النّعْمَةُ؟ فقال: هذا النَّهْرُ لم يَقْطَعْهُ قَطُّ تُرْكِيٌّ إلَّا مَمْلُوك، وأنتُم اليَوْم قد قَطَعْتُموه مُلُوكًا (b)، قال: فلعَهْدي به وقد أحْضَر جَمَاعَةً منِ الأُمَرَاءَ والمُلُوك، وأمَرَني بإعادةِ الحَدِيْث، فأعدْتُه، فَحمدَ اللَّه هو وجَمَاعَة مَنْ حَضَر عندَهُ حَمْدًا كَثِيْرًا.


(a) ب: وتملأ.
(b) الأصل: ملوك، وفوقها "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>