للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا بَعْدُ؛

فقد قَرَأتُ كتابكَ، وفَهمْتُ ما ذَكَرتَ من شَكَاتِكَ للحجَّاج، وما سلَّطْتُهُ عليك، ولا أمَرتْهُ بالإسَاءَةِ إليكَ، فإنْ عادَ لمثْلها فاكْتُبْ إليَّ بذلك، أُنْزل بهِ عُقُوبَتي، وتَحْسُنُ لك مَعُونتي، والسَّلام.

فلمَّا قَرَأ أنَسٌ كتابَهُ وأُخْبر برسَالته، قال: جَزَى اللهُ أَمِيرَ المُؤْمنِيْن عنِّي خَيْرًا وعافاهُ وكافأهُ عنِّي بالجنَّة، فهذا كان ظَنِّي به والرَّجَاءَ منه.

فقال إسْمَاعِيْل بن عُبَيْد الله (a) لأنسٍ: يا أبا حَمْزَة، إنَّ الحَجَّاج عَامِلُ أَمِير المُؤْمنِيْن وليس بكَ عنه غنىً ولا بأهْل بيتكَ، ولو جُعِلَ لك في جَامعةِ ثمّ دُفِع إليك لقَدَر أنْ يضرّ ويَنْفَع، فقَارِبْهُ ودَارِهِ. فقال أنَسٌ: أفْعَلُ إنْ شَاءَ اللهُ.

ثمّ خرَجَ إسْمَاعِيْلُ من عنده، فدَخَلَ على الحَجَّاج، فلمَّا رآه الحَجَّاج قال: مَرْحبًا برَجُلٍ أُحبُّهُ وكُنْتُ أُحبُّ لقاءَهُ، فقال له إسْمَاعِيْل: أنا والله قد كُنْتُ أُحبّ لقاءَكَ في غير ما أتيتُكَ به. قال: وما أَتيتَني بهِ؟ قال: فارَقْتُ أَمِير المؤمنِيْن وهو أشَدُّ النَّاسِ عليك غَضَبًا ومنْك بُعْدًا، قال: فاسْتَوَى الحَجَّاجُ جالِسًا مَرْعُوبًا، فرَمَى إليه إسْمَاعِيْل بالطُّوْمَار، فجعَل الحَجَّاجُ يَنْظُر فيه مرَّةً ويعرَقُ وينْظُر إلى إسْمَاعِيْل أُخرى، فلمَّا نقَضَهُ (b) قال: قُمْ بنا إلى أبي حَمْزَة نَعْتَذر إليه ونتوصَّاهُ (c)، فقال له إسْمَاعِيْل: لا تَعْجل، قال: كيف لا أعْجَل وقد أَتَيْتَني بآبِدَةٍ.


(a) الجريري: عبد الله.
(b) الجريري: نفضه، ابن كثير: فضَّه.
(c) الجريري وابن كثير: ونترضَّاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>