للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان في الطُّوْمَار إلى الحَجَّاج بن يُوسُف:

بِسْمِ الله الرَّحْمن الرَّحِيْم

من عَبْد المَلِك بن مَرْوَان أَمِير المُؤْمنِيْن إلى الحَجَّاج بن يُوسُف

أمّا بعدُ؛

فإنَّك عَبْدٌ طَمَتْ به الأُمُور فسَمَوتَ فيها، وعَدَوْتَ طَوْرَكَ، وجَاوَزْتَ قَدْرَكَ، ورَكِبْتَ دَاهِيَةً إدًّا، وأردتَ أنْ تَبُورني (a)، فإنْ سوَّغْتُكَها مَضِيْتَ قُدُمًا، وإنْ لَم أُسَوِّغُكَها رجَعْتَ القَهْقَرَى. فلَعنَكَ اللهُ عَبْدًا أخْفَشَ العَيْنَيْن، مَنْقُوضَ (b) الجَاعرَتَيْن، أنَسِيْتَ مكَاسِبَ آبائكَ بالطَّائِف، وحَفْرَهُم الآبَارَ، ونَقَلَهُمِ الصُّخُورَ على ظُهُورهم في المَنَاهِل يا ابنَ المُسْتَفْرمَةِ بعَجَمِ الزَّبِيْب؟! والله لأغْمِزَنَّكَ غَمْزَ اللَّيْثِ الثَّعْلَبَ، والصَّقْر الأرْنَبَ، وَثبتَ على رَجُلٍ من أصْحَاب رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين أظْهُرنا، فلم تَقْبل له إحْسَانَهُ، ولم تجاوِزْ له إسَاءتَهُ، جُرْأَةً منك على الرَّبِّ عَزَّ وعَلَا، واسْحخْفَافًا منكَ بالعَهْد. والله لو أنَّ اليَهُودَ والنَّصارَى رَأتْ رَجُلًا خَدَم عُزَيْزَ عُزْرَة وعِيسَى ابن مَرْيَم لعَظَّمَتْهُ وشرَّفَتْهُ وأكْرَمَتْهُ، فكيفَ وهذا أنسُ بن مالِك! خَادِمُ رسُول الله صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ خَدَمَهُ ثَمان سِنين، يُطْلعُه على سِرِّه، ويُشَاورُه في أمْره، ثمّ هو مع هذا بَقِيَّةٌ من بقايا أصْحَابهِ.

فإذا قَرَأت كتابي هذا، فكُن أطْوَعَ له من خُفِّهِ ونَعْلِهِ، وإلَّا أتَاكَ منِّي سَهْمٌ مُثْكِلٌ بحَتْفٍ قاضٍ، و {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (١).


(a) تاريخ ابن عساكر: تبرزني، وفي البداية والنهاية: وأردت أن تبدو لي، وما ها هنا موافق لما عند المعافى بن زكرياء. وبارَهُ بَورًا وابْتَارَهُ: اختبره. لسان العرب، مادة: بور.
(b) الجريري وابن كثير: منقوص.

<<  <  ج: ص:  >  >>