حَدَّثَنَا أبو بَكْر بن عَيَّاش، وابنُ الأجْلَحِ حَدَّثَني ببَعْضِه وأحمدُ بنُ بَشِير وغيرُهم من أشْيَاخنا، ومن إسْمَاعِيْلَ بَعْضَه، وبعْضُهم يَزِيد على بعضٍ: أنَّ مُعاوِيَة بَعَثَ زِيَاد بن أبي سُفْيان على الكُوفَة والبَصْرَة، فقَدِمَ زِيَاد الكُوفَة، فبَعَثَ إلى حُجْر بن الأدْبَر الكِنْدِيّ -وكانا جَلِيْسَيْن مُتَوَاخِيَيْن، وكانا يَريان رَأيَ عليّ، وعلى حُبِّهِ، ومن شِيْعَتهِ- فقال له زياد: قد عَلمِتَ الّذي كنتُ أنا وأنتَ عليه من الرَّأي، وإنِّي رَأيْتُ عليًّا ومُعاوِيَة اقْتَرَعا فقَرعَهُ مُعاوِيَة، فسَلَّمنا لأمْره، فهَلُمَّ فأبلغُ بكَ وأشَرِّفكَ في قَوْمك وأَقْض لك حَوَائِجك، وأقْضي دَيْنك، وأُخْرج لك رِزْق أهْلك، فاخْرُج معي إلى البَصْرَة، فقال حُجْر: لا واللهِ إنِّي لمَرِيْضٌ. فقال زياد: صَدَقْتَ، إنَّكَ لمَرِيْضُ القَلْب والهَوَى والرَّأي، وأخَافُ أنْ أُخلِّفكَ فتُوْغِل على النَّاسِ (a) وتُوْغِرهم.
ثُمَّ سَار زِيَادٌ إلى البَصْرَة وخَلَّفَهُ، واسْتَعْمَل عَمْرو بن حُرَيْثٍ المَخْزُوميّ على الكُوفَة وأنْزَله القَصْر، وأوْصَى عَمْرًا به فقال: كُنْ عَيْنًا على حُجْر، فانْظُر مَنْ جُلَسَاؤهُ في المَسْجِد، ومَنْ غَاشِيَتُهُ في أهْلِهِ، وأعْلِمْني ما يكُون من أمْرهم. ثمّ سَار زِيَاد إلى البَصْرَة فقَدِمَها، فكتَبَ عَمْرو بن حُرَيْث من الكُوفَة إلى زِيَادٍ وهو بالبَصْرَة: أُخْبرُكَ أنَّ حُجْرًا قد عَظُمَتْ حَلْقَتُهُ في المَسْجِد، وكَثُرتْ غَاشِيَتُهُ في أهْلهِ، فإنْ كانت لك في الكُوفَة حَاجَةٌ فأَقْبِل! فما هو إلَّا أنْ قَرأ كتابَهُ قال زِيَاد لأصْحَابه: تَجَهَّزُوا، فتجهَّزوا.
ثُمّ خَرَج فنَزل الجَلْحَاءَ (١)، فإذا رَاكِبٌ من بَني أَسَدٍ يَرْكضُ على فَرَس؛ رسُولٌ لعَمْرو بن حُرَيْث فقال: أين الأَمِيرُ، أين الأَمِير؟ فقالوا: هو ذَا، فأتاهُ فقال له