للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصْلَحكَ الله، كلَّفْتَ مُحَمَّدًا أنْ يأتيَكَ بحُجْر، وقد عرفْتَ عَدَاوَة حُجْر له ومُجَانبَته إيَّاهُ، فإنَّا نُحبُّ أنْ تَرْضَى عنه، وأنا آتيك بحُجْر، قال: وتَفْعَل؟ قال: نعم، قال: فإنَّا قد رَضِيْنا عنه فأْتِنا به، فانْطَلقَ جَرِيرٌ حتَّى أتى حُجْرًا، فدَخَلَ عليه في بَيْته وهو في اثْنَي عَشر رَجُلًا من أصْحَابهِ، فكَلَّمَهُ جَرِير وقال له: أَجِبْ أَمِيْركَ، فقال حُجْرٌ: والله لا أفْعَل إلَّا أنْ يُعْطيَني مَوْثقًا وأَيْمانًا، لا يَهجنا حتَّى يَبْعث بنا إلى مُعاوِيَة فنُكَلِّمَهُ ويَرَى فينا رأيَهُ، فإنِّي قد عرفتُ أنَّهُ لن يدَعَنا، فرجَع جَرِير إلى زِيَادٍ فقال له: أجئْتَ به؟ قال: نَعَم أصْلَحَكَ اللهُ، وقد سَأل شيئًا، قال: ما هو؟ قال: كَذَا وكذا، قال: فذلك له، فأعْطَاهُ الأمَان على ذلك، فأقْبل حُجْرٌ مع جَرِير حتَّى دخَل على زِيَادٍ، فلمَّا رآهُ زِيَاد قال: مَرْحَبًا بك أبا عبد الرَّحْمن، فوالله إنَّكَ كما علمتُ حَرْبٌ في السِّلْم، سِلْمٌ في الحَرْب، وقد ركبتَ صُدُورًا قد أهْلكَ الله مَنْ رَكِب أعْجَازها، ما كنتُ قُلْتُ لك إنَّك سَتُوغرُ النَّاس وتَفْعَل (a) وتُوغرُ عليَّ، تجهَّزْ أنتَ وأصْحَابُكَ، فتجَهَّزُوا، وكتَبَ معهم زِيَاد كِتَابًا إلى مُعاوِيَة شَدِيْدًا يُخْبره بأمُرهم وأنَّ تَرْكَهُم فَسَادٌ للنَّاس.

فسَارُوا حتَّى نزلوا بمَرْج عَذْرَاء، فُحبِسُوا فيها، وكان فيما كَتَبَ زِيَاد إلى مُعاوِيَة: أنَّ لهم الأمان حتَّى يُكَلِّمُوكَ وتُكَلِّمهم. فسَارَ إليهم مُعاوِيَةُ حتَّى أتاهم بمَرْج عَذْرَاء ومعهُ النَّاس، فكلَّمَهُم وكلَّمُوه، ثمّ انْصَرَف عنهم، فاسْتَشَار وُجُوهَ أهْلِ الشَّام فيهم، فأشَاروا عليه بقَتْل القَوْم كُلِّهم إلَّا يَزِيد بن أسَد البَجَليّ وهو جَدُّ خَالِد بن عَبْد الله القَسْرِيّ فإنَّهُ قال: يا أَمِير المُؤْمنِيْن، أنتُم الأئمَّة ونحنُ المُؤْتَمُّون، وأنتُم العَمَدُ ونحن المُعْمَدُونَ، فإنْ تَعْفُ نَقُل: قد أَحْسَنْتَ وأجْمَلْتَ، وإنْ تَقْتُل فرأيُكَ أثْبَت، فبَعَثَ إليهم مُعاوِيَة رَجُلًا أعْوَرَ فأمَرَهُ فقال: انْطَلق إليهم فاقْتُل شُيُوخَهُم واتْرك شُبَّانَهُم. فأقْبَل الرَّسُول فلمَّا رأوهُ قال رَجُل من القَوْم: هذا


(a) وضع ابن العديم فوقها "صـ".

<<  <  ج: ص:  >  >>