للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَرَ أحمد بن يَحْيَى بن جَابِر البَلاذُرِيّ، في كتاب البُلْدان (١)، قال: وحَدَّثني مُحَمَّد بن سَعْد، عن الوَاقِدِيّ وغيره، قالوا: لمَّا كانت سنة أربعٍ وثمانين غَزَا على الصَّائِفَة عَبْدُ الله بن عَبْد المَلِك بن مَرْوَان، فدخَلَ من دَرْب أَنْطاكِيَة، وأتَى المِصِّيْصَة، فبَنى حِصْنها على أَسَاسهِ القَديْم، ووضَع بها سُكَّانًا من الجُنْد فيهم ثلاثمائة رَجُلٍ، انْتخبهم من ذوي البأسِ والنَّجْدة المَعْرُوفين، ولم يكن المُسلِمُون سَكَنُوها قبل ذلك، وبَنى فيها مَسْجِدًا فوق تَلِّ الحِصْن، ثمّ سَار في جيشه حتَّى غَزَا حِصْن سِنَان ففَتَحه، ووَجَّه يَزِيد بن حُنَيْن الطَّائِيّ الأنْطاكيّ فأغَار، ثمّ انصرفَ إليه.

وقال أبو الخَطَّاب الأزْدِيّ (٢): وكان أوَّل مَن ابْتَنَى حِصْنَ المِصِّيْصَة في الإسْلامِ عَبْد المَلِك بن مَرْوَان على يد ابنهِ عَبْد الله بن عَبْد المَلِك في سنة أربع وثمانين على أساسها القَدِيم، فتَمَّ بناؤهَا وشِحْنَتُها في سنة خمسٍ وثمانين، وكانت في الحِصْن كَنِيْسَةٌ جُعِلت هُرْيًا، فكانت الطَّوالعُ من أَنْطاكِيَة تَطْلعُ عليها في كُلِّ عام، فَتَشْتُوا بها، ثمّ تنصَرف، وعدَّةُ مَنْ كان يَطلعُ إليها ألف وخَمْسِمائَة إلى الألفَيْن.

قالوا (a): وشَخَصَ عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز حتَّى نزل هُرْيَ المِصِّيْصة، وأرادَ هَدْمَها وهَدْم الحُصُون بينها وبين أَنْطاكِيَة، وقال: أكْرَهُ أنْ يُحاصرَ الرُّوم أهلَها، فأعلَمهُ النَّاس أنَّها عُمِرَت ليَدْفَع مَنْ بها الرُّومَ عن أَنْطاكِيَة، وأنَّه - إنْ أخْربَهَا - لم يَكُن للعَدُوِّ نَاهِيَة دونَ أَنْطاكِيَةَ، فأمْسَكَ، وبَنى لأهْلِها مَسْجِدًا جَامِعًا من ناحِيَةِ


(a) فتوح البلدان: قال.

<<  <  ج: ص:  >  >>