للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): وقال أبو الخَطَّاب: بُني الجِسْرُ الّذي على طَرِيْق أَذَنَة من المِصِّيْصَة، وهو على تسعة أمْيالٍ من المِصِّيْصَة، سنةَ خمسٍ وعشرين ومائة، فهو يُدْعَى: جِسْر الوَلِيد، وهو الوَلِيد بن يَزِيد بن عَبْد المَلِك المقتُول.

قالوا (٢): ولمَّا كانت سنَةُ خَمْسٍ وستِّين ومائة، أغْزَى المَهْدِيّ، رَحِمَهُ الله، ابنَهُ هارُون الرَّشِيد، صَلواتُ الله عليه، بلادَ الرُّوم، فنَزلَ على الخلِيْج، ثمّ خرجَ، فَرَمَّ المِصِّيْصَة ومَسْجِدها، وزادَ في شِحْنَتها، وقَوَّى أهْلهَا.

وقَرَأتُ في كتاب أبي زَيْد أحْمد بن سَهْل البَلْخِيّ، في صِفَة الأرْض والمُدُن (٣)، قال: والمِصِّيْصَة مَدِينَتان: إحداهما المِصِّيْصَة، والأخرى تُسَمَّى كَفَرْبَيَّا على جانبي جَيْحَان، وبينهما قَنْطَرَة حِجَارَة، حَصِيْنَة (a) جِدًّا على شَرَف من الأرْض، يَنْظُر منها الجالِسُ في مَسْجِد الجامع بها إلى قُرْب البَحْر نحو أربعة فَرَاسخ. وجَيْحَان يخرج من بَلَد الرُّوم حتَّى ينْتهي إلى المِصِّيْصَة، ثمّ إلى رُسْتَاق يُعْرف بالملون (b)، حتَّى يقَع في بَحْر الرُّوم.

قُلتُ: فقد يُنْخَل (c) من مَجْموع ما ذَكَرناهُ، أنَّ بناء المِصِّيْصَة في الدَّوْلَة الإسْلاميَّة كان، لأنَّ هِرَقْل لمَّا خرج عن أَنْطاكِيَة إلى القُسْطَنْطِينِيَّة اسْتصْحَبَ أهل هذه البِلادِ، وأجلوا منها، ونَقَلَهم معَه، وشَعَّثَ هذه البِلاد. فإنَّ البَلاذُرِيّ قال في كتابه (٤): حَدَّثني مشايخُ من أهل أَنْطاكِيَة وغيرهُم، قالوا: كانت ثُغور المُسْلِمِين الشَّامِيَّة أيَّام عُمَر وعُثْمان وما بعد ذلك: أَنْطاكِيَة وغيرها من المُدُن


(a) البلخي: خصبة.
(b) البلخي: الملوان.
(c) في الأصل و"ك": ينخل، وانْتَخلْتُ الشيء: اسْتتقصيت أفْضله.

<<  <  ج: ص:  >  >>