للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الّتي سَمَّهاها هارُون الرَّشِيد (١)، فإن المُسلِمونَ يَغْزُونَ ما وراءها كغَزْو اليوم ما وراء طَرَسُوس، وكانت فيما بين إسْكَنْدَرُونَة وطَرَسُوس حُصُونٌ ومَسَالح للرُّوم، كالمَسَالح والحُصُون التي يَمُرُّ بها المُسلِمونَ اليوم، فربَّما أجْلَاهَا (a) أهْلُهَا، وَهَربُوا إلى بلاد الرُّوم خَوْفًا، وربَّما نقَل إليها من مُقاتلَة الرُّوم مَنْ تُشْحَن به، وقد قيل إنَّ هِرَقْل أدْخَلَ أهلَ هذه المُدُن معه عند انْتِقالهِ من أَنْطاكِيَة لئلَّا يسَيرَ المُسلِمونَ في عِمَارَة ما بينَ أَنْطاكِيَة وبلاد الرُّوم، واللهُ أعْلَمُ.

قال البَلاذُرِيّ (٢): وحَدَّثَني ابنُ طَيْبُوْن (b) البَغْرَاسِيّ، عن أشْيَاخِهِم، أنَّهُم قالوا: الأمْرُ المُتَعالَم عندنا أنَّ هِرَقْل نَقَلَ أهْل هذه الحُصُون معَهُ، وشَعَّثَها، وكان المُسلُونَ إذا غَزَوْا لم يَجدُوا بها أحَدًا، وربَّما كَمَنَ عندَها القَوْمُ من الروم، فأصَابوا غِرَّةَ المُتَخَلِّفين عن العَسَاكر والمُنْقَطعين عنها، فإن وُلَاةُ الشَّوَاتِي والصَّوائِف إذا دَخَلُوا بلاد الرُّوم خلَّفُوا بها جُنْدًا كَثِيْفًا إلى خُرُوجهم.

فكانت المِصِّيصَةُ وغيرُها من الثُّغُور الشَّامِيَّة خَرابًا بسبب ذلك، فلمَّا غزا عَبْدُ الله بن عَبْد المَلِك، بَن حِصْن المِصِّيْصَة دُون مَدِينتها، فأرادَ عُمَرُ بن عَبْد العَزِيْز هَدْمَهُ بالكُلِّيَّة، فلمَّا عَرف المصْلَحة في تَرْكِهِ، تَرْكَهُ، وبنَى مَسْجِدًا جَامِعًا للمُسْلمين من ناحيةِ كَفَرْبَيَّا، ثمّ بَنى هِشَام رَبَض الحِصْن، ثمّ بنَى مَرْوَان بن مُحَمَّد الخُصُوص من النَّاحِيَةِ الشَّرْقيَّةِ، لِقِلَّة مَنْ يَعُمّ المَدِينَة بالسُّكْنى، فيكون ساكنُوا الخُصُوص مُسْتَيقظين لأنفُسِهم، وجعل عليه خَنْدَقًا وحائطًا، وكثروا في أيَّام


(a) * فتوح البلدان ٢٢٤: أخلاها.
(b) كذا مضبوطًا في الأصل، وجاء في نشرة الفتوح: ابن طسون! ولعلها جاءت في النسخ المخطوطة مهملة فأحالها المحقِّقان سينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>