للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وذَكَرَ لي رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ ابنَ أسَد عَبَرِ من مَيَّافَارقِين طَالِبًا حَلَب، ثمّ عاد منها، فلمَّا وصَل إلى حَرَّان أخَذَهُ المُتَوَلِّي بها يوْمئذٍ بحَرَّان فصَلَبَهُ لِمَا بلَغَهُ عنه من أشْيَاءَ نَقِمَها عليه، وكان يَقُول: عَجِبْنا منه كيفَ جَرَى على لِسَانه في شِعْره مثْل ما جَرَى له.

أخْبَرَنا أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن إسْمَاعِيْل بن أبي الحَجَّاج المقدِسِيّ إجَازَةً، قال: أخْبَرَنا عِمَاد الدِّين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن حَامِد الأصْبَهَانيّ في خَرِيْدَة القَصْر (١)، قال: الحَسَنُ بن أَسَد، حَسَنُ القَوْل أَسَدُّهُ، فَارِسُ النَّظْم أشَدُّه (a)، ذو اللَّفْظ البَليغْ، والمَعْنَى البَدِيْع، والخَاطِرِ السَّرِيْعِ، والكَلَام الصَّنِيعْ، فلَفْظُه [عَقْدُ] (b) عِقْد، ومَعْناهُ ليسَ بمُعَقَّد، وجوْهَر صنْعَته في سلْك الفَضْل غيرُ مُبَدَّد، فللَّه دَرُّ ذا الصَّانعِ، ذي الدُّرِّ النَّاصعِ، الّذي تُنصعُ جُلُودُ الحُسَّاد منه في المَنَاصع، اليَوْمَ عَدُوُّ ابن أسَدٍ سَاءَ نَبَأ، ودَعمَ وَيْلًا (c)، وحَسُودُهُ جَرَّ من الخَجَل ذَيْلًا، وفَرَّ من الوَجَل ليْلًا، حيثُ أَحْيَيْتُ ذِكْرَهُ بإطْرائي إيَّاهُ، وكَدُر ماؤهُ (d) الصَّافِي في مَنْبع الفَضْلِ فأَجْرَيناهُ، وفي مَعِيْن عَيْن هذا الكتاب أَنبعْنَاهُ، وفي سُوْق الكَسَادِ ما بِعْناهُ.

أقْدَمُ أهْل العَصْر زَمَانًا، وأقْومُهُم بهذا الشِّعْر صَنْعَةً وبيانًا، كان في زَمان نِظَام المُلْك ومَلِكْشاه، وشَملَهُ منهما الجاه، بعد أَنْ قُبِضَ عليه وأُسِيءَ إليهِ، فإنَّهُ كان مُتَولِّيًا على آمِدَ وأعْمَالها، مُسْتَبدًّا باسْتِيْفاء أمْوَالها، فخلَّصَهُ الكَامِل الطَّبِيْب (٢)، وقَضى أربَهُ ذلك الأريْب.


(a) الخريدة: أسَدُه.
(b) إضافة من الخريدة.
(c) كتب ابن العديم إزاءه: "يقرأ مقلوبًا". وهو يأتي صحيحًا سواء.
(d) مكررة في الأصل، وفي الخريدة: وكان ركد وكدر ماؤه.

<<  <  ج: ص:  >  >>