للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنَشْرعُ في الإشْعَار بأشْعَاره، ونَشْرَحُ فيها بعضَ شعَاره، ولا نَدَع هذا المُهِمَّ لا مُهْملًا ولا مُجْملًا، ونُمْلِي من فَوَائِده ما يَمْلأُ المَلأَ مُفَصَّلًا، أُوْدِعَ فَصَّ الفَصَاصَة خاتِمُ كَلِمِه، ونُشِرِ مَعَالِم عِلْمِه خَافِق عَلَمِه، وَشَتْ عِبَارَتُه بالطِّيْب وَشْيَ العَبِيْر، ووشَّتْ في الحُسْن وشْيَ التَّعْبير، ورَعَتْ كَلَاَمه الأفْهَام، وهامَتْ في اسْتِحْسَانه الأَوْهَام.

وكان يَنْظِمُ الشِّعْرَ طَبْعًا، ويتكلَّف الصَّنْعَةَ فيه، ويَلْتَرم ما لا يَلْزَمُ في رَوِيِّهِ وقَوَافيْهِ، وكانتَ له نَفْسٌ كُلُّ نفسٍ بَكْرمها مُعْتَدّ، ونَفَسٌ طَويْلٌ في النَّظْم مُمْتَدّ، سائرٌ شِعْرُه، شَائعٌ ذِكْرُه، يَقَعُ في مَنْظُومِهِ التَّجْنِيسُ الوَاقِع، الرَّائِقُ الرَّائع، وكان من فُحُول الشُّعَراءِ في زَمَانِه، ومن المُغَبِّرِين في وُجُوه أقْرَانه (a) .

قَرَأتُ في تاريخ مَيَّافَارِقينِ، تأليف أحْمَد بن يُوسُف بن عليّ ابن الأزْرَقَ (١)، قال: لمَّا ماتَ السُّلْطان مَلِكْشاه، ووَلى بَرْكْيَارُق السَّلْطَنَة بعدَ مَوْت أبيهِ، وَصَل مَوْتُ مَلِكْشاه إلى مَيَّافَارِقين (b)، فاخْتَبَطَ النَّاس واخْتلفُوا، ثمّ وقَع اتِّفَاقهُم أنْ نَفَّذُوا إلى السُّلْطان بَرْكْيَارُق يَسْتَدعُونه، وكَتَبُوا إليهِ يقُولونَ: إنَّ هذه بلاد أبيْكَ وما نُريد غيركم، فتَصِل لتأخُذَهَا، أو تُسَيِّر نائبًا عنْكَ، فطَالَ الأمرُ ووعَدَهُم بالحُضُور، واشْتَغَل بتلك البِلَادِ، وأجْمَع رأيُهُم على أنْ قدَّمُوا أبا سَالَم يَحْيَى بن الحَسَن بن المُحَوَّر على أنْ يَحْفَظ البَلَدَ للسُّلْطَانِ، وسَلَّمُوا إليهِ مَفَاتيح مَيَّافَارقين وأجْلَسُوه (٢).

فلمَّا تعَذَّر وُصُول السُّلْطان، اخْتَلَفَ النَّاسُ ومَاجُوا، فقال قَوْمٌ: نَسْتَدعي ناصِر الدَّوْلَة ابن مَرْوَان، وكان عند مَوْت السُّلْطان في أعْمَال بَغْدَاد (c)، فصَعدَ


(a) بقية الصفحة قدر ثلاثة أرباعهما بياض في الأصل.
(b) في الأصل: مفارقين.
(c) ابن الأزرق: في قرية حربى من العراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>