للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلى الجَزِيْرَة ومَلكها، فعَزَم بعضُ النَّاس على اسْتِدْعائهِ، وكَرِه بعضُهُم دَوْلَة بَنِي مَرْوَان لِمَا رَأوهُ من عَدْل السُّلْطان، وسَارَ بَعْضُهُم إلى السُّلْطان تاج الدَّوْلَة تُتُش إلى نَصِيبِيْن يَسْتَدعونَهُ، وقالوا: قد حَفِظْنا البَلَد لكمِ وأنْتَ أخُو السُّلْطان (a)، وكان ابن أسَد في المَدينَة رَأس الجُهَّالِ وِالسُّوقَة والرَّعَاع يدُور في المَدِينَة ويَحْفَظُ السُّور، فانْفَذ ناصِر الدَّولَة إلى ابن أسَد ووَعَدَهُ الجَيل، وطَيَّب قلبَهُ، فأجابَهُ إلى ما أرادَ، فاسْتَدْعاهُ، واتَّفَقت مَيَّافَارقين خَاليَة منِ الكبار وأهْل البَلَد والمُقَدّمِين لتَوَجُّههم إلى تُتُش، فوصلَها ابن مَرْوَان في أوّل سَنة ستٍّ وثمانين وأرْبَعِمائة، وسَلَّمها إليهِ ابن أسَد، ودَخَل ناصِرُ الدَّوْلَة، ومَلكها واسْتَوزَر ابنَ أسَد، ولُقِّبَ مُحيى الدّوْلَةِ، ثُمَّ سَارَ تُتُش إلى مَيّافَارقِين، فرَاسَلَهُم وخَوّفَهُم، لحينَ رآهُ النَّاس صَاحُوا بأسْرهم، وسُلّم (b) البلَد إليهِ، ودَخَلَهُ من يوْمهِ في شهر رَبِيع الأوَّل سَنَة ستٍّ وثمانين وأرْبَعمائة، واسْتَقَرّ السُّلْطان بمَيَّافَارقِين، وسَار عنها إلى حَرَّان يَجْمَعُ العَسَاكِر ليَمْضِي إلى بَرْكْيَارُق يُصَافّه (c)، وكان ابن أسَد لمَّا مَلَك السُّلْطان [مَيَّافارقِيْن] (d)، انْهَزَم واخْتَفَى ببعض البِلاد، ثمّ قَصَد السُّلْطان وامْتَدَحَهُ بقَصِيدَةٍ يقُول فيها بَيْتًا عَجَيْبًا: [من البسيط]

واسْتَحْلَبت (e) حَلَبٌ جَفْنَيَّ فانْهَمَلَتْ … وبشَّرتني بحَرِّ الشَّوْق (f) حَرَّان

ويُقالُ: إنَّهُ قال: بحَرِّ القَتْل (g) حَرَّان، فكان فَأْلًا عليه.

فلمَّا لَقِي السُّلْطان وامْتَدَحه، وأُعْجب النّاسُ بشِعْره، قال بعضُ النَّاسِ: يا مَوْلَانا، تَعْرفُ هذا؟ فقال: مَنْ هو؟ قال: هو الّذي نفَّذ [و] أَحْضَر ابن مَرْوَان


(a) بقيته عند ابن الأزرق: "وأحق من غيركم وما نريد سواكم".
(b) ابن الأزرق: وسلَّموا.
(c) عند ابن الأزرق بفك الإدغام: يصاففه.
(d) إضافة من تاريخ ابن الأزرق، والأعلاق الخطيرة لابن شداد ٣/ ١: ٣٩٨.
(e) في الأصل: واستحليت، وقد تقدم بالموحدة عوض المثناة.
(f) ابن الأزرق: بحر القتل.
(g) ابن الأزرق: بحر الشوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>