للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وكانت طَرَسُوس قد خَرِبَت، وجَلَا أهلُها في صَدْر الإسْلام، خَرَّبها المُسلِمُونَ حين غَزوها وقاتلُوا أهْلها وهزمُوهم، ومضَى مَنْ مَضَى منهم إلى الرُّوم، وكان ذلك في السَّنَة الّتي فُتِحَت فيها حَلَب وأَنْطاكِيَة، فجدَّد عمارتَها أَمِير المُؤمِنِين الرَّشِيد رَحِمَهُ الله، وقَوَّاها وحَصَّنَها، ولم تزل قُوَّتها تزيد وتتضَاعَف إلى أنْ اسْتَولى عليها الرُّوم في شَعْبان سَنَة أرْبع وخَمْسين وثَلاثِمائة.

قَرَأتُ في كتاب صِفَة الأرْض والأقالِيْم وما تَشْتَمل عليه، تأليفُ أبي زَيْد أحمد بن سَهْل البَلْخِيّ، قال (١): وطَرَسُوس مَدِينَةٌ كبيرةٌ عليها سُوران (a)، تَشْتَملُ على خَيْلٍ ورجَال وعُدَّة، وهي على غايةِ العِمَارَة والخِصْب، وبينها وبين حَدّ الرُّوم جِبَال، وهي الحاجزُ بين المُسْلِمِيْن والرُّوم، ويقال إنَّ بها زُهَاءَ ألوف من الفُرْسان فيما يَزْعُمُ أهلهَا، وليس من مَدِينَةٍ عَظِيمَة - من حَدِّ سِجِسْتَان إلى كَرْمَان وفارس والحَبَل وخُوزسْتان وسائر العِرَاق والحِجَاز واليَمَن والشَّامَات ومِصْر - إلَّا وبها لأهلهَا دار وأكثر، أهْلُها ينزلونَها إذا وَرَدُوها.

وقال ابن وَاضِح الكَاتِب في كتاب البُلْدان (٢): وطَرَسُوس مَدِينَة بناهَا أَمِير المُؤمِنِين الرَّشِيد، في المَرْج الّذي في سَفْح الجبل، الّذي يُقْطع منه إلى أرْض الرُّوم، وكان بناؤهُ إيَّاها سنَةَ سَبْعِينَ ومائة، في أوَّل خِلَافَته على يَد أبي سُلَيْم فَرَج التُّرْكِيّ الخَادِم، وبها نَهْرٌ جَارٍ يأتي من جَبَل الرُّوم حتَّى يَشُقّ في وَسَطها، وأهْلُها أخْلَاطٌ من النَّاسِ من سَائر الآفاق.


(a) البلخي: سوران من حجارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>