للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّحو وكُبَرَاؤُه، فإذا قُلْتَ إنَّهم كِلَابٌ، وأنْتَ تُدْعَى مَلِكَ النُّحَاة؛ فتَصِيْر إذًا ملكَ الكِلَاب لا مَلِك النُّحَاةِ! قال: فقال لي: واللَّه صَدَقْتَ؛ هؤلاءِ هُم عُلَماءُ النَّحو، قال: فلم أسْمَع منه بعدَ ذلك مثْل هذا الكَلَام.

سَمِعْتُ شَيْخ الشُّيُوخِ شَرَف الدِّين عَبْد العَزِيْز بن مُحَمَّد الأنْصَاريّ يَقُول: سَافرَ مَلِكُ النُّحَاةِ إلى غَزْنَة، وأرادَ أنْ يجتمع بمَلِك غَزْنَة، فقيل له: إنَّ مَلِك غَزْنَة يَجْلِسُ على سَرِيرٍ عالٍ، ويَجْلِسُ وَزِيره بجنْب السَّريْر، ولا يَقْعُد أحدٌ إلَّا تحتَ الوَزِير، فقال: مُبَارَك، فأُذِنَ له فدَخَل إلى مَلِك غَزْنَة، وجاءَ إلى السَّريْر وكان طَويْل القَامَة، فوَضَع رِجْلَهُ على المَسْنَد الّذي إلى جانب الوَزِير وتعلَّق في السَّريْر ليُقَبِّل يَدَ مَلك غَزْنَة، فتحرَّكَ له مَلِكُ غَزْنَة، فقال: أيُّها المَلِكُ، يَنْبَغي للمَلِك أنْ يقُومَ للمَلِك، فقَامَ له مَلِكُ غَزْنَة فجلَسَ فَوْق السَّريْر إلى جَانبهِ.

وذَكَرَ لي بعضُ مَنْ كُنْتُ أُحَاضِرُه، ويَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّهُ القَاضِي شَمْس الدِّين أبو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بن يُوسُف بن الخَضِر، أو إبْراهيم بن سُلَيمان النَّجَّار الكَاتِب، أنَّ مَلِك النُّحَاة خَلَع عليهِ المَلِكُ العادِلُ نُور الدِّين مَحْمُود بن زَنْكِي خلعةً سَنِيَّةً، فلَبِسَها يَوْمًا واجْتازَ بها على حَلْقَة عَظِيمَة، فمالَ إليها لينظُر ما هي، فوجَد رَجُلًا قد عَلَّم تَيْسًا له اسْتِخْرَاجِ الخَبَايا، وتَعْريفَهُ مَنْ يُرِيْد أنْ يُعَرِّفه به من الحَلْقَة بإشَارة لا يَفْهَمُها غير ذلك التَّيْس المُعَلَّم، فوقفَ مَلِكُ النُّحَاة وهو رَاكِبٌ بالخلعَة، فقال الرَّجُل: في حَلْقَتي رَجُلٌ عَظيمُ القَدْر، شَائِعُ الذِّكْر، مَلِكٌ في زيّ سُوقَة، أعْلَمُ النَّاس، وأكْرَمُ النَّاس، وأجْمَلُ النَّاس؛ فأرني إيَّاهُ، فشَقَّ ذلك التَّيْس الحَلقَة، وخَرَج حتَّى وضَعَ يَدُه على مَلِك النُّحَاةِ، فلم يَتَمالك مَلِكُ النُّحَاة أنْ نَزَع الخلعَة ووَهَبَها لصَاحِب التَّيْس، فبلَغَ ذلك نُور الدِّين، فعَاتبَهُ على ما فَعَلَ، فقال: يا مَوْلَانا، عُذْري في ذلك وَاضِحٌ، لأنْ في هذه المَدِينَة مائة ألْف تَيْس ما فيهم مَنْ عَرِفَ قَدْري غير ذلك التَّيْس! فضَحِكَ نُور الدِّين منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>