للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لرضا المَلِكِ الصَّالِح أَيُّوب، وسَيَّرَني رَسُولًا إلى مِصْر أشْفَعُ إلى أَيُّوبَ بن إسْمَاعِيْلَ، فلم يُجبْ إلى ذلك، وفَسَدَ ما بين السُّلْطانِ المَلِك النَّاصِر وبينه بسَبَبِ ذلك. وماتَ المَلِكُ المَنْصُور إبْراهيمُ صَاحِبُ حِمْص بدِمَشْق، وتسلَّمَ نُوَّابُ أيُّوبَ بُصْرَى، وعَزَمَ أَيُّوب على تَجْهيز عَسْكَرٍ إلى الشَّرْقِ، فَمَنَعَهُ المَلِكُ النَّاصِرُ، وأزَالَ التَّوكيْلَ عن الصَّالح إسْماعِيْل، وسيَّرني إليه، واسْتَحْلفتُهُ يَوْمَ الاثْنَين ثامنَ عَشر ذي القَعْدَة، وخَلَعَ عليهِ، وأقْطَعَهُ إقْطاعًا حَسَنًا، وقدَّمَهُ على عَسْكَره".

ولعلَّ آخرَ سِفارة رَسْميَّة أدَّاها ابنُ العَدِيْم في حياته كانتْ سَنة ٦٥٧ هـ، قبلَ وصُولِ طَلائِع المَغُولِ إلى الشَّام، إذ أرْسَلهُ المَلِكُ النَّاصرُ يُوسُف ابن المَلِك العَزَيز صاحب دِمشْق إلى الدِّيَار المِصْريَّةِ رَسُولًا يَسْتَنجدُ المِصْريِّين لقِتالِ التَّتَار، فإنَّهم قد اقْتَربَ قُدُومُهم إلى الشَّام، وأنَّهم قد اسْتَولوا على حَرَّان وبلَادِ الجَزيرة وغيرها … وكان قد وقَعَ اتِّفاقُ الأُمَراءِ الكِبَارِ وأعْيانِ العَساكِر في مِصْر على تَنْصِيب سَيْفِ الدِّين قُطز سُلطانًا ولَقَّبُوه بالمَلِك المُظَفَّر، وشَهِدَ ابنُ العَدِيْم مَجْلسَ سَلْطَنته، "فأعادَ قُطز الجَوابَ إلى الملَكِ النَّاصِر يُوسُف بأنَّهُ سيُنْجِدُه ولا يقعدُ عن نُصْرتِه، ورَجعَ ابنُ العَدِيْم إلى دِمَشْق بذلك" (١).

وبعد أنْ اسْتَولَى التَّتَارُ على بلادِ الشَّام سَنَة ٦٥٨ هـ، ارْتَحلَ ابنُ العَدِيْم إلى مِصْر (٢)، حَسْبما يفهم من تَرْجَمتِه لأحمدَ بن عَبْد الوَاحِد بن مِرى، أبي العبَّاسِ الحَوْرَانيّ القَاضِي، المُلَقَّبُ بالتَّقيّ الشَّافِعيّ، وهي رِحْلةٌ يبدو أنَّها كانت فِرارًا من التَّتَار، مثلما فَرَّ صاحبُ الشَّام وصاحبُ حَمَاة وغيرهما، والتَّاريخُ الَّذي ذَكَرهُ يَقَعُ بعد مَعْركةِ عَيْن جالُوت (٢٥ رَمَضَان من تلك السَّنَة)، وبعدَ مَقْتلِ السُّلْطانِ مُظَفَّر


(١) بدر الدين العيني: عقد الجمان (قسم المماليك) ١: ٢١٨ - ٢٢١، أبر الفداء: المختصر في أخبار البشر ٣: ١٩٩، تاريخ ابن الوردي ٢: ٢٩٠، المقريزي: السلوك ١/ ٢: ٤١٦ - ٤١٧.
(٢) ابن حبيب: درة الأسلاك في دولة الأتراك (آيا صوفيا)، ورقة ١٥ ب، وتاريخ ابن الوردي ٢: ٣٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>