للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمّ رُفِعَ الطَّعَام، وجيءَ بالوَضُوءِ، ثُمَّ صِرْنا إلى مَنْزِل المُنَادَمَة، فإذا أشْكَل مَنْزِلٍ - يا أَمِير الؤمنين - وجَعَل صَاحِبُ المَنْزل يُلْطِفُني (a) ويُقْبل عليَّ بالحدِيْث، وجَعَلوا لا يشُكُّون أَنَّ ذلك منه لي عن مَعْرفَةٍ مُتَقدِّمةٍ، وإِنَّما ذلك الفِعْلُ كان منه لِمَا ظَنَّ أنِّي منهما بسَبِيْل، حتَّى إذا شرِبْنا أقْدَاحًا، خَرَجت علينا جَارِبَة - يا أَمِير المُؤْمنيْن - كأنَّها غُصْن بانٍ يَتَثَنَّى، فأقْبَلَت تَمْشي، فسَلَّمَتْ غير خَجِلَة، وثُنِيَت (b) لها وسَادةٌ فَجلسَت، وأُتِي بعُودٍ فوُضع في حَجِرها، فجَسَّته فاسْتَبنْتُ (c) في جَسِّها (d) حذْقَها، ثُمّ انْدَفَعَت تُغَنِّي (١): [من الطويل]

تَوهّمَها طَرْفي فأصْبحَ (e) جَدُّهَا … وفيه مكانَ الوَهْم من نَظَري أثَرُ

فصَافحَها قَلْبي فآلَم كَفّها (f) … فمن مَسَّ قَلْبي في أنَامِلِها (g) عَقْرُ

فهَيَّجَتْ - يا أَمِير المُؤْمنِيْن - بَلَابلي، فطَرِبْتُ لحُسْن شِعْرها وحِذْقها. ثُمّ انْدَفَعَت تُغَنِّي: [من الطويل]

أشَرتُ إليها هل عَرَفتِ (h) مَوَدَّتي … فردَّت بطَرْف العَيْن إنِّي على العَهْدِ

فحَدتُّ عن الإظْهار عَمدًا لسرِّها … وحَادَتْ عن الإظْهار أيْضًا على عَمْدِ

فصحْتُ: السِّلامَة! (i) - يا أَمِيرَ المؤمنِيْن - وجَاءَني من الطَّرَب ما لَم أمْلك نَفْسِي، ثَمّ انْدَفَعت تُغَنِّي الصَّوْت الثَّالِثَ: [من الطويل]

أليسَ عَجَيْبًا أنَّ بيتًا يَضُمُّني … وإيَّاكَ لا نَخْلو ولا نتَكَلَّمُ

سِوَى أعْيُن تَشْكُو الهَوَى بجُفُونها … وتقطِيع أنْفَاسٍ (j) على النَّاي تضرم


(a) المسعودي: يلطف بي.
(b) السمعودي: وهُيئت.
(c) ابن عساكر فاستنبأتُ.
(d) في الأصل: فحسَّته .. في حسّها، والمثبت من المسعودي وابن عساكر.
(e) المسعودي: فآلم.
(f) الديوان: كفه.
(g) الديوان: فمن غمز .. أنامله.
(h) المسعودي: علمت.
(i) في الأصل: السلاح، والأظهر ما أثبت عن مروج الذهب وتاريخ ابن عساكر.
(j) المسعودي: وترجيع أحشاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>