اعْتِقَاد المَذْهَب المِصْرِيّ والتَّدَيُّن به، فكَتَبَ رسالةً في ذلك، وكَتَبْتُها على وَجْهها، وحَذَفتُ من آخرها ما لا حَاجَةَ لي إليه، لِمَا فيها من ذِكْر نَسَبه، ومَنْشَأه، ومَذْهَبهِ، ومَبْدأ حالِهِ، وطَلَبهِ للعِلْم، واشْتِغَاله. والرِّسَالَةُ (١):
الدَّهْرُ أبو العَجَائِب، وذُو الغَرَائِب، إلَّا أنَّني ما ظَنَنْتُه يُبْدعُ هذه البِدْعَةَ الشَّنْعَاء، ولا ظَنَنْتُه يُطْرق هذه الظِّنَّة النَّكْرَاء، ويَنْبَغي أنْ انْزِلَ عن الاحْتِجَاجِ للمَلِك، أدَامَ اللهُ بَقَاءهُ، وأعَزَّ نَصْرَهُ ولِوَاءَهُ، والمُؤْتَمَن على تَدْبِير، والسَّفِيْر بينهُ وبين عَسْكَره، أدَامَ اللهُ تَمْكِيْنَهُ، فإنَّ الله يَعْلم والنَّاسُ يَعْلَمُون خُلَوْصَ نِيَّاتِهِما في الطّاعَةِ، وبُعْدَهُما من هذه الشَّنَاعَةِ، فإنَّ تَشَاغلي بما يَخصُّني من هذه الحالِ الّتي ظَننتُ أنَّ العَرْضَ على اللهِ يَسْبِقُها، وأنَّ المُعْتَقَد المُقَدَّس قد اسْتَحْكَمَ في الثِّقَةِ بي، اسْتِحْكَامًا يُقَصِّر أيْدي اللِّئَام عن صِيَاغَةِ مثْلِها لي.
فإنْ كان يَظُنّ أنَّ ما وُسِمْتُ بهِ من النَّسَب المُسْتَعَار يَحْملُني على الإزْوِرَار، فإنَّ الأمرَ بضِدِّه؛ إذ كان أصْلِي من البَصْرَة، وانْتَقَلَ سَلَفِي عنها في فِتْنَةِ البَرِيْديّ إلى بَغْدَاد، وكان جَدُّ أبي، وهو أبو الحَسَن عليّ بن مُحَمَّد يَخْلُفُ على دِيْوَان المَغْرب، فنُسِبَ به إلى المَغْرِبيّ، ووُلد له جَدِّي الأدْنَى ببَغْدَاد في سُوق العَطَش، ونَشَأ وتقَلَّدَ أعْمَالًا كَثِيْرةً، منها تَدْبير مُحَمَّد بن يَاقُوت عند اسْتِيْلائهِ على أمْر المَمْلَكَة، وكان خَالُ أبي وهو أبو عليّ هَارُون بن عَبْدِ العَزِيْز الأوَارْجِيّ المَعْرُوف الّذي مَدَحَهُ المُتَنَبِّي (٢) مُتَحقِّقًا (a) بصُحْبَة أبي بَكْر مُحَمَّد بن رَائِق، فلمَّا لَحقَ أبا بَكْر بن رَائِق ما لَحِقَهُ بالمَوْصِل، سَارَ جَدِّي وخالُ أبي إلى الشَّام، والْتقَيا بالإخْشِيْذِ، وأقام وَالدِي وعَمِّي، رَحِمَهُما اللهُ، بمَدِينَة السَّلام، وهما حَدَثان إلى أنْ تَوَطَّدَتْ أقْدام