للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُيُوخهما بتلك البِلادِ، وأنْفَذ الإخْشِيْذ غُلَامَهُ المعرُوفَ بفَاتِكٍ المَجْنُون المَمْدُوحَ المَشْهُور، فَحَملهما ومَنْ يليهما إلى الرَّحْبَةِ، وسَارَ بهما على طَرِيق الشَّام إلى مِصْر، فأقامَت الجَمَاعَة هناك إلى أنْ تَجَدَّدَتْ قُوَّةُ المُسْتَولِي على مِصْر، فانْتَقَلُوا بكُلِّيَّتهم وحَصَلُوا في حَيِّزِ سَيْف الدَّوْلَة أبي الحَسَن بن حَمْدَان مُدَّة حَيَاته، واسْتَولَى جَدِّي على أمْره اسْتِيْلَاءً تَشْهَدُ به مَدَائِح أبي نَصْر بن نُبَاتَة فيهِ، ثمّ غَلَبَ أبي من بَعْده على أمْره وأمْر وَلَدِه غَلَبَةً تَدُلُّ عليها مَدَائِح أبي العبَّاس النَّامي فيه، ثُمَّ شَجِرَ بينهما ما يتَّفق مثْلُه بين المُتصَاحِبيْن في الدُّنْيا، ففَارَقَهُ من الرَّحْبَةِ.

وانْحَدَر إلى الأنْبَارِ قَاصِدًا مَدِينَة السَّلام، فلمَّا حَصَل بالأنْبَار، وَجَدَ العِرَاقَ مُضْطَرِبًا، وبَهَاءُ الدَّوْلَةِ، رَحِمَهُ اللهُ، في أوَّل أمْره غالبًا، فُخوِّفَ من المقام، فرَكِبَ مَغَرِّرًا بنَفْسه قَاصِدًا الشَّام ليَتَمكَّن من تَعَرُّف أخْبَارِنا، وافْتِكَاك إِسَارنا، فإنَّا كُنَّا بحَلَب مُعَوَّقين من بَعْده، فلَقِيَ بمِصْر الحُظْوَة الّتي عُرِفَتْ، ولَيْتَها ما اتَّفَقَتْ! فإنَّ خِتَامها كان سُمًّا ذُعَافًا، وعُقْبَاها كان بَوَارًا واجْتيَاحًا، وانتقَلْتُ في أَثره، وكانت وَالدَتي من أهْلِ العِرَاق، ولنا إلى اليَوْم أمْلَاكٌ، بالنُّعْمانيَّة مَوْرُوثَةٌ، فكُنَّا بمِصْر زُوَّارًا، وبالعِرَاق - لمَّا انْتَقَلْنا إليها - قَاطِنيِن وأُلَّافًا.

فهذا أوَّلًا حَدِيث الأصْلِ الّذي وَقَع الاشْتِباه وتَمَّ التِّمْويهُ فيهِ.

ثُمَّ أرْجعُ إلى ذكْر الدِّيْن، فإنِّي نَشَأتُ وغُذِّيْتُ بكَتْب الحَدِيْث، وحِفْظ القُرآن ومُنَاقبَة (A) الفُقَهَاء، ومُجَالَسة العُلَماء، ووالله ما رَأيْتُ قَطُّ بتلك البِلادِ مَأدُبَةً ولا وِليْمَةً إلَّا لعُرْسٍ، ولا كُنْتُ مُتَشَاغلًا إلَّا بعِلْم أو دْيْن، ولقد سَلِم لي من جُزَازَاتِ كُتُبِي ما هو اليَوْم دَالٌّ على تَشَاغُلي بالدِّين القَيِّم، واستْمرَاري على النَّهْج الأسْلَم؛ لأنَّهُ ليس كتاب من كُتُب السُّنَّةِ إلَّا وقد أحْطَتُ به رِوَايَةً


(a) كذا في الأصل، ونقل الشيخ حمد الجاسر هذه الترجمة في مقدمة تحقيقه لكتاب أدب الخواص ١٥، واستبدل هذه الكلمة بـ: "ومثافنة"، أي مصاحبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>