ورمْتُه دِرَايَةً، وهَا هُنا اليَوْم نُسْخَتان من مُوَطَّأ مالكٍ سَمَاعي من جِهَتَين، وعليهما خُطُوطُ الشَّيْخَين، والصَّحيْحَان لمُسْلِم والبُخاريّ، وجَامِع سُفْيان، ومَسَانيدُ عِدَّةٌ عن التَّابِعِين.
ولي - وأحْمَدُ اللّهَ - إمْلَاءاتٌ عدَّة في تفسِير القُرْآن وتأوِيْله، وتَخْريجاتٌ من الصِّحَاح المَذْكُورَة، وسَمِعْتُ كتابَ المُزَنِيّ عن الطَّحَاوِيّ عن المُزَنِيّ (١). وأمَّا الأحَادِيْث المَنْثُورَةُ الّتي كُنْتُ أُبَكِّرُ بكُورَ الغُرَابِ لاسْتمَاعِها، وأَطَّرح رُتْبَة الدُّنْيا في مُزَاحَمَةِ أَشْيَاعِهَا، فأكْثَر من أنْ تُحْصَى، فكيفَ يظَنُّ بمثْلي ممَّن ظَهَر تَماسكُهُ إنْ كان لَم يَظْهَر باطنُهُ تَعَلّق بالهَبَاءِ المَنْثُور، وتَمَسُّك بالضَّلَال والزُّور.
وذَكَرَ باقي الرِّسَالَة، أنا اخْتَصَرْتُها.
قَرأتُ بخَطِّ أبي المَكَارِم عليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن المُطَّلِب وَزِيِر تَقِيّ الدِّين عُمَر بن شَاهَنْشَاه، وذَكَرَ أنَّهُ نَقَلَ عن ظَهْر النُّسْخَة الّتي اخْتَصَر فيها الوَزِيرُ أبو القَاسِم بن المَغْرِبيّ كتاب إصْلَاح المَنْطِق بخَطِّ أبيهِ أبي الحَسَن عليّ بن الحُسَين بن المَغْرِبيّ: وُلِد - سَلَّمَهُ اللهُ، وبَلَّغَهُ مَبْلغِ الصَّالِحين - أوَّلَ وَقْت طُلُوع الفَجْر من ليلَةٍ صَبَاحُها يَوْم الأَحَد الثَّالِث عشر من ذِي الحِجَّة سَنَة سَبْعِين وثَلاثِمائة، واسْتَظْهَرَ القُرْآنَ وعدَّةً من الكُتُب المُجَرَّدةِ في اللغَةِ والنَّحْو، ونَحْو خَمْسَة عَشر أَلْف بَيْتٍ من مُحْتَارِ الشِّعْر القَديم، ونَظم الشِّعْر وتَصَرَّفَ في النَّثْر، وبلَغَ من الخطِّ ما يَقْصُر عنه نُظْراؤُه، ومن حِسَاب المُوَلّدِ والجَبْرِ والمُقَابَلَةِ وجَمِيْع الأدَوَاتِ إلى ما يَسْتَقِلّ بدُوْنهِ الكَاتِبُ، وذلك كُلّه قَبْل اسْتِكْمَاله أرْبَع عَشرة سَنَة، واخْتَصَر هذا الكتاب، فتَنَاهَى باخْتِصَاره، وأوْفَى على جميعِ فَوَائِده حتَّى لَم يَفُتْه شيءٌ من ألْفَاظه، وغَيَّر من أبْوَابهِ ما أوْجَبَ التَّدْبِيرُ تَغْييرهُ للحَاجَة إلى
(١) علق الشيخ الجاسر عند هذا الموضع أنه ربما وقع سقط في الكلام لأن الطحاوي توفي سنة ٣٢١ هـ، بما يقتضي أن يكون بينهما من حدثه به عن الطحاوي.