الاخْتصَار، وجَمعَ كُلّ نوع إلى ما يليْق به، ثُمَّ ذَكَرتُ له نَظْمَهُ بعد اختِصَاره، فابْتَدَأَ به، وعَمِل منه عِدَّة أوْرَاق في ليلة، وكان جميع ذلك قبل اسْتِكْمَالهِ سَبْع عَشْر سَنَةً، وأرْغَبُ إلى اللّهِ في بَقَائهِ وسَلَامَتِهِ.
وذَكَرَ الصَّابِئ في تَارِيْخهِ، قال: في شَهْر رَمَضَان من سَنَة أرْبَع عَشْرَة وأرْبَعِمائة قُبِضَ على أبي عليّ الرُّخَّجيِّ، وتقَلَّد وِزَارَة مُشَرِّف الدَّوْلةِ أبي عليّ أبو القَاسِم الحُسَين بن عليّ بن الحُسَين المَغْرِبيّ، وكان سَيِّئ التَّدْبِير لنَفْسِه، مُهَوَّرًا، قليل النَّظَر في العَوَاقِب، مع ما كان فيه من الفَضائِل الأدَبيَّة.
قَرأت بخَطِّ عَبْد القَوِيّ ابن الجلَيْس عَبْد العَزِيْز بن الحبُاب في ذِكْر الوَزِير أبي القَاسِم، قال: وذُكِرَ أنَّ موْلدَهُ كان بمِصْر في ليلَة الأَحَد الثَّالث عَشر من ذِي الحِجَّة سَنَة سَبْعِين وثَلاثِمائة.
قُلتُ: وهذا وَهْمٌ، ولَم يُوْلَد بمِصْر، وإنَّما وُلد بحَلَب في التَّاريخ المَذْكُور، لأنَّ أباهُ في هذا التَّاريخ كان بحَلَب في خِدْمَة أبي المَعَالِي شَرِيْف ابن سَيْف الدَّوْلَة.
قَرَأتُ في الرِّسَالةِ الّتي كَتَبَها أبو الحَسَن عليّ بن مَنْصُور بن طَالِب الحَلَبِيّ، المعرُوف بدَوْخَلَة، إلى أبي العَلَاء أحْمَد بن عَبْد اللّهِ بن سُلَيمان، وأجابَهُ عنها أبو العَلَاء بن سُلَيمان برسالةِ الغُفْرَان، وقد ذَكَرَ كَلَامًا قال بَعْدَهُ (١): ثمّ سَافَرْتُ منها - يعني من بَغْدَاد - إلى مِصْرَ، ولَقِيْتُ أبا الحَسَن المَغْرِبيّ، فألْزَمَني أنْ لَزِمْتُه لُزُوْمَ الظِّلّ، وكنتُ منه مَكَان المِثْلِ، في كَثْرة الإنْصَافِ، والحُنُوّ والإتْحاف (a)، فقال لي سِرًّا: أنا أخَافُ هِمَّةَ أبي القَاسِم تنْزُوَ به إلى أنْ يُوْرِدَنا وِرْدًا لاصدَرَ عنهُ، فإنْ كانت الأنْفَاسُ ممَّا تُحْفَظُ وتُكْتَب، فاكْتُبها واحْفَظْها وطالعْني بها.