للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأعزَّهُ وأعزَّهُم إلى غَايةٍ من الأمَد، ظَاهِرينَ على أعدَائِهم، مُظَفَّرين في قُلُوب إخوانهِم المُسْلِمِيْن، مُعَظَّمين مُبَجَّلين، ضَاقَتْ بهِم أرْض الرُّوم، [وكَثُرَت فيهم منهم الكُلُوم] (a)، تُرَاءَى (١) نِيْرانُهُم، وتُكافَحُ فُرْسَانهُم، إنْ دَنَوا منهُم هلَكُوا، وإنْ أمعنُوا الهَرَب عنهُم أُدْرِكُوا، لا تُحْرزهُم أرْضُهم وإنْ اتَّسَعت، ولا تَحْمِيْهم مَعاقلُهم وإنْ امتَنَعَت، تُعَرَّى بُنُودُهم، وتُهْزمُ حُشُودُهُم، وتُفَلُّ جُنُودُهُم، وتُسْتبَاح حَريمهُم، ويُسْتَأصَل كَرِيمُهم، وتُرَوَّح أفْنِيتُهم، وتُهْدَم أبْنِيَتُهم، وتُشَنُّ الغَارَاتُ فيهم، زِيَادة على مائتي سَنة، حتَّى نَبَغَ من نَقَفُور بن فاردس الفُقَّاس (b) مَنْ صَمَد نَحْوَهم وعندَهم، وأناخ بهِم وقصَدَهم، وأجمَعَ على استئصَالهم، واجْتِياحهِم وبَوارِهم، فغَزَاهُم عامًا بعد عام، ونَازلهُم في عُقْرِ ديارهم؛ يُدَوِّخ أطْرافَهُم، ويَسُوق عَوَامِلَهُم، ويتردَّدُ إلى زُرُوعهم أوانَ اسْتحصَادِهم، فَيَجْتَثُّها ويأتي عليها، وتتَوالى - لأجل ذلك - سَنَواتُ الخَوْفِ والجُوْع ونَقْص الأمْوَال والأنفُس والثَّمَرات (٢)، وضيْق الأسْعَارِ، وتأخُّر المِيَر والأمْدَاد، وفَنَاءِ الحُمَاة مِنَ الرِّجالِ الكُمَاة، وتَلَاشي الشُّجْعَانِ والفُرْسَان، وانْحِلال الأحْوال، واخْتِلال الأبْطالِ، وحُلُول الدَّاءِ الّذي لا دَوَاءَ لَهُ، والعِلَّة الّتي لا يُرْجَى بُرْؤُهَا، وهو نُبُوّ السَّلاطين حينئذٍ عن نُصْرتهم، وتَثَاقلهُم عن إجابةِ مُسْتَصْرخهم، وتَخلُّفهُمْ حين دَهَمَهُم ما دهمَهُم عن مَعُونتهِم.


(a) كتبها في الهامش، ويبدو أن قراءتها تعسَّرت عليه، فكتب قبلها: أظنُّه.
(b) ضبطه من بيت شعر للمتنبي يذكره، انظر ديوانه بشرح العكبري ٢: ٢٢٨، وفي الأعلاق الخطيرة لابن شداد ١/ ٢: ٩٦: بردس الفقاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>