للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأتْرَاك على عَادَتهم مع الوُزَرَاء في مثْل اليَوْم المَذْكُور، واسْتَأذَنَهُ في الإنْشَادِ، فأَذِنَ له، فأنْشَدَهُ فَصِيْدتَهُ اللَّامِيَّة (١): [من المتقارب]

عَسَى مُعْرِضٌ وَجْهُهُ يُقْبل (a) … فيُوهَبُ للآخر الأوَّلُ

منها (٢):

فِدَاك، وتَفْعَل ما لا تقُول … مُمَّن يقُولُ ولا يَفْعَلُ

يَلُومكَ في الجُوْد لمَّا عرَفْـ … ــتَ من شَرف الجُوْدِ ما يُجْهَلُ

سَللْتَ على المال سَيْلَ (a) العَطَاء … فلاحيكَ في الجُوْد مُسْتقتلُ

ومنها (٣):

أجرني أبتْ نحوه أنْ أضيْعَ (c) … وانْصُر دُعَائي فلا أُخْذَلُ

وصُن بك وَجْهيَ عمَّن سِوَاكَ … فما مثْلُ وَجْهِي يُسْتَبْذَلُ

فلمَّا انتهىَ إلى آخرها، اسْتَحْسَنَها وأُعْجِب بها، وأشَار إليهِ إلى النَّاحيَة الّتي فيها الدَّنَانيْرُ والدَّرَاهِمُ، فجلَسَ إليها، وفَتَح كُمَّه الأَيْسَر وجَمعَ إليهِ بيَدِهِ اليُمْنَى حتَّى مَلأهُ، ثمَّ فَتَحَ كُمَّه الأيْمَن وجَمَعَ إليهِ بيَدِه اليُسْرى إلى أنْ لَم يبقَ على الأرْض ديْنار ولا دِرْهَم، ونَهَضَ فقبَّل الأرْضَ وانْصَرفَ، وسُئِلَ عمَّا حَصَل له، فذَكَرَ أنَّ مَبْلَغه ألفًا ومائةً ونَيفًا وعشرين دِيْنارًا، وسَبْعَة آلاف وثَلاثِمائة دِرْهَم، وهذا عَطَاءٌ ما سُمعَ بمثْله ممَّن جادَ في وَقْته لشَاعرٍ سِوَاهُ.

قال: وكان قد عَبِثَ به بعضُ شُعَرَاءَ البَغْدَاديِّيْن عندما جَرَى له وهو في الوِزَارَة ما أوْجَبَ له الخُرُوجَ من بَغْدَاد، فقال فيه: [من المجتث]


(a) الديوان: مقبل.
(b) الديوان: سيف.
(c) صدره في الديوان: أجرني يجودك من أن أذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>