ودَخَل الصَّاحِب أبو القَاسِم بن عبد الرَّحيم، رَحِمَهُ اللّهُ، فأعْطَاهُ دِيْنارًا ودِرْهمًا، فصَاحَ بي: أيُّها الشَّيْخ، فرجَعْتُ فسلَّمهُما إليَّ، وكان في الدِيْنارِ ثَلاثُون مِثْقَالًا خلَاصًا، ثمّ اسْتَدْعَى طَسْتًا وغَسَل كُلّ ما مُدِح به من الشِّعْر في ذلكَ اليَوْم.
قال أبو الحَسَن بن نَصْر: وهذا وإنْ كان إحْسَانًا من جانب، فهو سَرَفٌ من جانب، ولو أحْسَن الدَّهْر كُلّه نَهاره وليْلَه لمَحاهُ ما اسْتَجازَهُ في الصَّاحِب أبي القَاسِم رَضِيَ اللّهُ عنه.
أخْبَرَنا أبو نَصْر مُحَمَّد بن هِبَةِ اللّه في كتابهِ، قال: أخْبَرَنا أبو القَاسِم بن أبي مُحَمَّد (١)، قال: وَجَدْتُ بخَطِّ أبِي الفَضْل بن خَيْرُون: الوَزِير أبو القَاسِم المَغْرِبيّ بمَيَّافَارقِين يَوْم الأَحَد الحَادِي عَشر من شَهْر رَمَضَان سَنَة ثَماني عَشرة وأرْبَعِمائة؛ يعني مات.
قَرأتُ بخَطِّ عَبْد القَوِيّ بن الحُبَاب في تَعْلِيقه الّذي ذَكَرَ فيه ابن المَغْرِبيّ، قال: وذُكِرَ أنَّ بعض وزَرَائه - يعني أبا نَصْر بن مَرْوَان - ويُعْرَفُ بأبي الحَسَن مُحَمَّد بن القَاسِم بن صِقْلَاب، من أهْلِ المَوْصِل، قال له: إنَّ هذا رَجُلٌ عظيِمٌ له سِيَاسَةٌ وتَدْبير وعِظَمِ حِيْلَةٍ، وقد بَلَغَك ما فَعَلهُ من الأُمُور العِظَام، وأنَّهُ دَوَّخ المَمَالِكَ، وقَلَبَ الدُّول، وقد خَبر حَال هذا البَلَد وطال مقامهُ فيه، وعَرِف غَوَامِض أسْرَاره، ولست تأمن مَكْرَهُ، فاحْتَال عليه وسَقَاهُ السُّمّ في شَرَابه، وكان مُبرزًا بأخْبِيَته وفَسَاطِيْطه بِظَاهِر مَيَّافَارقِين، فلمَّا أحَسَّ بالمَوْت تقدَّم بردِّهِ إِلى المَدِينَة فرُدَّ إليها، وتُوفِّيَ بها في شَهْر (a) رَمَضَان سَنَة ثَماني عشرة وأرْبَعِمائة، وأوْصَى