للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقام المُؤِذّنون في ذلك اليَوم وأخَذُوا في الأذان، فسَهَوا فأقامُوا، فَرُدَّ عليهِم فأذَّنُوا، وقام أبو ذرَّ فخَطَب، فلمَّا أتَى الدُّعَاءُ للسُّلْطَان، خَطَب للمُعْتَضِد، وَرُدَّ عليه، فتَمَّم خُطْبتَهُ ونزَل، فأُقِيمَت الصَّلاة، وكَبَّر، وقَرأ في الرَّكْعَة الأُوْلَى بفاتحة الكتاب، وسُورة والشَّمْس وضُحاها، وفي الرَّكْعَة الثَّانيَة بسُورة الحَمْدِ وسُورَة إذا زُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالَهَا.

فلمَّا سَلَّم، قامَ أبو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْن بن مُحمَّد الخَوَّاصُ قائمًا في قِبْلَةِ المَسْجِد، واسْتَقْبَل النَّاسَ بوَجْههِ، وقال: يا مَعْشَرَ أهل طَرَسُوس، أَقُول فاسْمَعُوا: هذا المقَامُ الّذي كان يُتْلَى فيهِ كتابُ اللهِ العَظِيم، هذا المقَامُ الّذي كانَتْ تُعْقَدُ فيه المغَازي إلى الرُّوم، هذا المقَامُ الّذي كان يَصْدُر عنْهُ أمْرُ الثُّغُور، هذا المقَام الّذي كانت تُصَلَّى فيه الجُمُعُ والأعْيَادُ، هذا المقَام الّذي يَأوِي إليهِ المَلْهُوفُ بالدَّعَوَات، هذا المقام الّذي يَزْدَحم عليه أهْلُ السَّتْر والسَّدَاد، هذا المقام الّذي كانَ يَفِدُ إلى اللهِ فيهِ الوَافدُونَ، هذا المقامُ الّذي كان يَعْتكفُ فيهِ العَابِدُونَ الزَّاهِدُونَ، وما يَجْرى مَجْرَى هذا الكلام.

وقَرَأتُ في تاريخ أبي غَالِب هَمَّام بن الفَضْل المَعَرِّيّ (١): أنَّ نَقَفُور لَمَّا صَالَحَ أهل طَرَسُوس، وخَرَجُوا منها، وتسلَّمها، صَعد على مِنْبَرها، وقال: يا مَعْشَرَ الرُّوم، أينَ أنا؟ قالوا: على مِنْبَر طَرَسُوس، فقال: لا؛ بل أنا على مِنْبَر بَيت المَقْدِس، وهذه البَلْدةُ الّتي كانت تَمْنعُكم من بَيت المَقْدِس.


(١) نقَل ابن العديم عن هذا الكتاب في العديد من المواضع التَّالية، وعرَّف به في هذا الجزء، وأيضًا في تضاعيف ترجمة أحمد بن عبد الله صاحب الخال (الجزء الثاني)، قال: "وسيَّر إليَّ بعضُ الشِّرَاف الهاشميّين بحلَب تاريخًا جمعَهُ أبو غالب هَمَّام بن الفَضل بن جعفَر بن عليّ بن المُهذَّب، ذكر أنَّهُ تَذْكِرة كتبها ممَّا وجدَهُ في التَّوَاريخ المُتَقدِّمة، وممَّا وجَدَهُ بخَطِّ جَدّ أبيه الشَّيخ أبي الحُسَين عليّ بن المُهَذَّب بن أبي حامد مُحمّد بن هَمَّام بن أبي شهاب وغيره"، ويظهر من نقول ابن العديم أنَّ ابن المُهذَّب كان حيًّا سنة ٤٦٧ هـ، وأخذ عنه أيضًا في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن كتاب إعلام النبلاء) ٤: ١٠١، ونقل عنه ابن الوردي في العديد من المواضع في تاريخه ووصفه بأنه "من جباة أبي العلاء المعري"، انظر: تاريخ ابن الورديّ ١: ٢٧٣ - ٢٧٤، ٣٣٠ - ٣٣١، ٣٣٣، ٣٣٧، ٣٦٢، ٣٦٨ - ٣٧٠، ٤٣٧ - ٤٣٨، ٤٤٥، ٤٧٩، ٤٨٥، ٥١٥، ٥٥٧، ٥٦١.
ووضع أبو المغيث مُنقذ بن مرشد بن عليّ بن مُنْقذ ذيلًا على تاريخ ابن المُهَذَّب، ونقَل ابنُ العديم أيضًا عن هذا الذيل في بعض التَّراجم التالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>