للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت تَحْوِيْهِ، إلَّا ما نقَلَهُ السَّائر عنها على ظَهْره، بحَسَب قُوَّته إنْ كان ذا طَاقةٍ لشيء من حَمْلهِ، أو على ذي أرْبَعة إنْ كان وَاجِدًا لَهُ، أو أعْوَانِه إنْ وجَد عَوْنًا، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (١)، لا يُعَرَّج على سواه، ولا يَعُودُ بَعْدُ إلى مَثْوَاه، بذلكَ سَبَقَ فيهم عِلْمُ اللهِ المَكْنُون، الغَامضُ المَصُون، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (٢).

وقَرَأتُ بِخَطِّ أبي عَمْرو في كتابه: وجَرَى من اعْتيادِ الرُّوم طَرَسُوس، ما اقتَضَت الصُّوْرَةُ إخْراجَ وَفْدٍ إلى مِصْر والعِرَاق، يَسْتَصْرخُون ويَطْلبُونَ المَدَد، ورُسم أبو الحَسَن بن الفَيَّاض بوِفَادَة مِصْر، ووَفَد أبو بَكْر بن الأصْبَهَانِيّ الإسْكَاف، وأبو عَليّ بن الأصْبَهَانِيّ، خَلِيفَة القَاضِي العبَّاس بن أحمد الخَوَاتِيْمِيّ على طَرَسُوس، إلى بَغْدَاد (٣)، فنُدِبَ للخُطْبَة أبو صالِح عَبْد الغَفَّار بن الحَرَّانيّ الوَرَّاق عِوَضًا منهُ فقام مقامَهُ، وأقام أبو صالح، عند خُرُوج النَّاس، بطَرَسُوس لِعلَّةٍ مَنَعَتهُ من الحركَة بها تُوُفِّي، وما زال أبو صالح يَخْطبُ مُدَّةَ أيَّامِ مُنازلة نَقَفُور إيَّانَا.

فلمَّا انْتَهينَا إلى الأيَّام الّتي وادَعناهُ فيها للخُرُوج عن طَرَسُوس، اعْتَلَّ أبو صالِح عِلَّةً حالَت بينَهُ وبينَ الصَّلاة، واحْتَاجَ النَّاس في آخر جُمْعَةٍ جَمَّعُوهَا بطَرَسُوس إلى خَطِيب، فَسُئل أبو الحَسَن بن الفَيَّاض الصَّلاةَ، وقد كان عَادَ من مِصْر مُعَذَّرًا لم يَنَل في الوِفَادَة ما تَمَنَّى مَنْ أرْسله لها، فأبَى، وقال: ما أُحبّ أنْ أَكونَ آخر خَطِيب خَطَبَ بطَرَسُوس.

وَحَضَرَت الصَّلاةُ، فَصَلَّى بالنَّاس يَوْمئذٍ أبو ذَرّ؛ رَجُلٌ من أبناءِ طَرَسُوس، شَيْخٌ من أهْل العِلْم؛ كان سافَرَ وغابَ عن طَرَسُوس عدَّة سنين، وعاد إلينا في تلك الأيَّام، فهو آخرُ مَنْ خَطَب على مِنْبَر طَرَسُوس يوم الجُمُعَة العَاشر من شَعْبان سنَةَ أربعٍ وخمسين وثَلاثِمائة، لأنَّ خُرُوج النَّاس كان عنها في يوم الأرْبَعاءِ النِّصْف من هذا الشَّهْر في هذه السَّنَة.


(١) سورة عبس، الآية ٣٧.
(٢) سورة الأنبياء، الآية ٢٣.
(٣) انظر عن سفارة الاستنجاد وطلب المعونة والمدد من بغداد ومصر: الحياري: نهاية الثغور الشامية ٣٣ - ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>