فقَد حَدَّثَني أبو العبَّاس مُحمَّد بنُ نَصْر بن مُكْرَم، أحَدُ عُدُول بَغْدَاد، في دَرْب الرَّيْحان، أنَّ أحْمد بن بُوَيْه، رَحِمَهُ الله، جلَس بمكانٍ أرَانِيْهِ بباب دَاره المُعِزِّيَّة، يعرضُ خَيْلَهُ مُتَنَزِّهًا بالنَّظر إليها، فَقِيْدَ بين يدَيْهِ من دَار الدَّوَابّ إلى ذلك المكان، في مُدَّة أرْبعَة عَشر يومًا مُتَّصلةً، اثنا عَشر ألف فَرَس، أغلاهَا ثَمَنًا بمائة ألف دِرْهَم، وأدْناهَا ثمنًا بعَشرهَ آلاف دِرْهَم، لم يطرَح قَطّ على فَرَسٍ منها سَرْج في سَبيل اللهِ ولا في غير سَبِيْل اللهِ.
وحَدَّثَني أيضًا كَهْلٌ من أهْلٍ أربه (١) يُعْرف بابن الشَّعْرَانيّ، وقد سَألتُه ببَغْدَاد عن مُنْصَرفه، فوَصَف إشْرافًا على قَضِيْم حَمِيْر برَسْم فَنَّاخُسْرُو (a) بن الحَسَن بن بُوَيْه، رَحِمَهُ الله، عَدَدُهَا ستّة آلاف حِمَار، قد رتَّبها لخِدْمة الكُرَاع، ينْقل لها القَصِيْل في حينه، والقَضِيْم والعُلُوْفَات في سائر الأوْقاتِ، وسَألتُهُ عن عَدَدِ هذا الكُرَاع الّذي قد رُتِّبَت هذه الحَمِيْر لخدمَتِهِ، فذَكَر أنَّ المُشْرفَ على قَضِيْم جَميع الكُرَاع يَسْتَوفي كُل ليلةٍ قَضِيْمًا لثمانين ألف رأسٍ، من ذلكَ ثَلَاثُونَ ألْف جَمَل، وأربعةٌ وعشرون ألْف بَغْلٍ، وعشرون ألف فَرَس، وستّة آلاف حِمَار.
فهذان رَجْلَان من أمراء الإسْلام، وَصَفْنَا ظَاهِرَ نِعَم الله عليهما، والجِهَادُ مُعَطَّل، والثَّغْرُيَبَاب لا أنيس به، خاوٍ من القُرْآن، خَالٍ من الأذَان (٢): [من الطول]
فمن قَتِيْل أو جَريح، وعَفير (٣) من أهلهَا طَرِيْح، وهَارب طامِحِ، ومُتَحيِّز إلى وَطَن نازح، ومَفْتُون في دِيْنه، ومَغْلوب على ملْك يمينه، قد اسْتُبِيْحَت مَنَازلهم بجَميْع ما
(a) ضبطها ابن العديم بفتح النون المخففة، والتشديد من ضبط ابن خلكان له، انظر: وفيات الأعيان ٤: ٥٥.