يقُول لي وهو عند السُّلْطان طُغْرِل بن مُحَمَّد بن مَلِكْشاه وقد نَزَل مَرِيْضاً من سَفَره حين ورَدَ بَلْخ بقَرْيَة طغابَاذ (١)، فعالَجه من مَرضٍ حَادٍّ، قال: قال لي: أنا أتأذَّى من أصْوَاتِ العَصَافِيْر في هذه الدُّوَيْرَة، فقُلتُ لَهُ: مُرْ بعضَ الغِلْمَان يَصِيْدهُم بقَوْسِ الجُلَاهِق، فقال: بل أحْتَمل؛ فإنَّها سَكَنَتها وتَوَطَّنَتها، فتبَسَّمْتُ! فقال لي: ما هذا التَّبَسُّم؟ قُلتُ: سُبْحَان مَنْ جَعَلكَ بمَرَضك إلى هذا الحَدِّ من الرِّقَّة، وقد قَتَلْتَ مثْلَ الأُسْتَاذ أبي إسْمَاعِيْل الكَاتِب في فَضْلهِ وغَزَارَة عِلْمِه وكِفَايتهِ! قال: فتَوَرَّدَت وَجْنَتاهُ وقال: الفَضْلُ الخالي من الفُضُول مَمْدُوح.
قُلتُ: هكذا قال أبو شُجاع البِسْطَاميِّ وأوْرَده في كتاب أَدَب المَرِيْض والعَائِد، سَمَاع شَيْخنا أبي هاشِم منه، والمَشْهُور أنَّ الّذي قَتَلَ أبا إسْمَاعِيْل السُّلْطان مَحْمُود على ما ذَكَرناهُ عن العِمَاد الكَاتِب وغيره، وهو الّذي كانت الوَقْعَة بينه وبين أخيه مَسْعُود، وأُسرِ فيها أبو إسْمَاعِيْل، ويُحْتَمل أنَّ السُّلْطان طُغْرِل قَتلَهُ بأمْر أخيهِ مَحْمُود قبل أنْ تُفْضي إليه السَّلْطَنَة أو أنَّهُ سَعَى في قَتْله، فقال له الطَّبِيْب ما قال، واللهُ أعْلَمُ.
نَقَلْتُ من خَطِّ أبي سَعْد السَّمْعَانيّ، وأخْبَرَنا [به] (a) شَيْخُنا أبو هاشِم، قال: أخْبَرَنا أبو سَعْد، قال: سَمِعْتُ أبا شُجاع عُمَر بن أبي الحَسَن البِسْطَاميِّ الإمَام ببُخَارَى مُذَاكَرَةً يَقُول: قال شَافِع الطَّبِيْب الجُرْجَانِيّ: دَخَلْتُ على السُّلْطان طُغْرِل بن مُحَمَّد بن مَلِك شَاه بهَرَاة، وكان مَرِيْضاً، فقال لي: يا فُلَان، أنا تحت شَجَرَة وعليها عَصَافِيْر تُؤْذِيني بصِيَاحها، فقُلتُ لَهُ: يا مَوْلَانا تأمر الغِلْمَان ومعهم قَوْس البُنْدُق يَضْربُونها ويُفَرِّقُونها، فقال: لايَجُوز هذا أنْ أُنَفِّرها من أوْكَارها وآثَم بذلك، فتَبَسَّمْتُ، فقال