وسَمِعْتُ أبا عليّ يَقُول: قال لي أبو بَكْر بن عَبدَان غير مَرَّة: يا أبا عليّ، قد رُزِقْت من قَلْب هذا الشَّيْخ ما لَم يُرْزَق غيرُكَ، فلا تَسْتَقص عليه في المُذَاكَرَة، وارْفُق بهِ، فقد طَعَنَ في السِّنِّ، فكنتُ أتكلَّف أنْ أُسَامِح في المُذَاكَرَة، فذَكَرَ ما عند حَبِيْب بن أبي ثَابِت، عن سَعيد بن جُبَيْر، عن ابن عبَّاسٍ أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ رَجُلًا يُلَّبِي عن شُبْرُمَة، فقُلتُ: مَنْ عن حَبِيْب؟ قال: لَيْث بن أبي سُلَيمِ، فقُلتُ: يا أبا مُحَمَّد، هذا حَبِيْبُ بن أبي عَمْرَة وليس بابن أبي ثَابِت! فتَغَيَّر وأسْمَعَني، وقال لي: تُوَاجهني بمثل هذا، فقُمْتُ وقلتُ لأصْحَابنا: واللهِ لأُطْعمنَّهُ من لَحْمه في ذِكْر حَبِيْب بن أبي ثَابِت.
فلمَّا كان يَوْم مَجْلسه، ابْتَدَأتُ أُذَاكِره حَبِيْب بن أبي ثَابِت، فَخَرَج عليّ وامْتَنعَ في أحَاديْث كُنت سَألتُهُ عنها من سُؤَالاته، فقُضِي أنَّ أبا العبَّاس بن شُرَيْح وَرَد العَسْكَر وأنَا بها فقَصَدْتُه وأخْبَرْتُه حالي، فقال: من عَزمي أنْ أدْخُل على أبي مُحَمَّد، فإذا دَخَلت عليه فسَلْهُ بحَضْرَتي، فدَخَلَ عليه القَاضِي أبو العبَّاسِ، فسَألتُهُ عن حديث ابن عَوْن عن الزُّهْرِيّ، وسَألَهُ أبو العبَّاسِ، فأخْرَج الأصْل وحَدَّثَنَا به، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يَحْيى القُطَعِيّ، قال: حدَّثنا مُحَمّد بن بَكْر البُرْسَانِيّ، قال: حَدَّثنا ابن عَوْن، عن الزُّهْرِيّ، عن سَالِم، عن أَبِيهِ، أنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا افْتَتَح الصَّلاة كبَّر ورَفَع يَديهِ، وإذا رَكَع، وإذا رَفَع رأسَهُ من الرُّكُوع.
قُلْتُ لأبي عليّ: أيْشٍ علَّةُ هذا الحَدِيْث؟ قال: لا أعْرفُ له عِلَّةً، قُلتُ: يُقالُ إنَّهُ عن مُحَمَّد بن يَحْيَى القُطَعِيّ، عن مُحَمَّد بن بَكْر البُرْسَانِيّ، عن ابن جُرَيْج، فقال أبو عليّ: ليسَ هذا الحَدِيْث عند البُرْسَانِيّ عن ابن جُرَيْج، وعَبْدَانُ ثَبتُ حَافِظُ، وإنَّما حَدَّثَنَا به من أصْلِ كتابهِ.
قال أبو عليّ: فلمَّا مَنَّ الله عليَّ بسَمَاعِ هذا لم أُبَالِ بغيره.