للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَخَل مَنْ كان في مَدِينتهم من تَاجرٍ وأَجِيرٍ وتابِعٍ من الأنْبَاطِ وأهْلِ القُرَى وغَيرهم في هذا الصُّلْحِ، فَسُمُّوا الرَّوَادِيْفَ، لأنَّهم تَلَوْهم وليسُوا منهم، ويُقالُ إنَّهم جَاؤوا بهم إلى عَسَاكر المُسْلِمين، وهم أَرْدافٌ لهم، فَسُمُّوا الرَّوَادِيْفَ، فكان الجُرَاجمَةَ يَسْتَقِيمُونُ للوُلَاةِ مَرَّةً، ويَعْوَجُّونَ أخرى، فيُكَاتِبُونَ الرُّوم ويُمَايلُونَهُم (a) .

ولمَّا كانت أيَّامُ ابن الزُّبَيْر، ومَوْت مَرْوَان بن الحَكَم، وطَلَب عَبْد المَلِك. الخِلافَة بَعدَهُ لتَولِيتِه إيَّاهُ عهدَهُ، واستعدَاده للشُّخُوص إلى العِرَاق لمحاربَة المُصْعَب بن الزُّبَيْر، خَرجَتْ خَيلٌ للرُّوم إلى جَبَل اللُّكَام، وعليها قائد من قُوَّادهِم، ثمّ صَارت إلى لُبْنَان، وقد ضَوَتْ إليها جَمَاعَةٌ كَثِيرة من الجُرَاجِمَة وأنْبَاط وعَبِيد أباقٌ من عَبِيد المُسْلِمين، فاضْطَرَّ عَبْد المَلِك إلى أنْ صَالَحهم على ألف دِينار في كُلِّ جُمعة، وصَالَح طاَغيَةَ الرُّوم على مَالٍ يُؤدِّيهِ إليهِ ليَشْغَلَهُ عن مُحاربَتِه، وتخوُّفه أنْ يخرج إلى الشَّام فيغلب عليها، واقتَدَى في صُلْحِه بِمُعاوية حينَ شُغل بحَرْب أهْل العِرَاق، فصَالَحهُم على أن يُؤدِّي إليهم مالًا، وارتَهَن منهم رهنًا وضعَهُ (b) بِبَعْلَبَكّ، ووَافَق ذلك أيضًا طَلَب عَمْرو بن سعيد بن العاص الخِلَافَة، وإغْلاقه أبْوَاب دِمَشْقَ حين خَرَج عَبْدُ المَلِك عنها، فازْدَاد شُغْلًا، وذلك في سَنَة سَبْعِين.

ثُمّ إنَّ عَبْدَ المَلِك وَجَّهَ إلى ذلك الرُّومِيّ سُحَيْم بن المُهَاجِر، وتَلَطَّف حتَّى دَخَلَ عليه مُتَنَكِّرًا، فأظْهَرَ المُمَالأةَ لَهُ، وتَقَرَّب إليهِ بِذَمِّ عَبْد المَلِك، وَشَتْمِه، وتَوهِين أمْره حتَّى أمِنَهُ، واغتَرَّ بِهِ، ثمّ إنَّه انْكَفَأ عليه بِقَومٍ مِنْ مَوَالِي عَبْد المَلِك وجُنْدِه؛ كان أعَدَّهُم لمُواقَعته، ورَتَّبهم بمكانٍ عَرَّفه، فَقَتَلَهُ ومَنْ كَان معهُ من الرُّوم، ونادَي في سَائر من ضَوَى إليهِ بالأمَان، فتفرَّق الجُرَاجمَةُ بقُرَى حِمْصَ ودِمَشْق، ثُمّ رجَع أكثرهُم إلى مدينتهم باللُّكَامِ، وأتَى الأَنْبَاط قُرَاهُم، وَرَجَعَ العَبِيدُ إلى مَوَالِيهم.


(a) فتوح البُلْدَان: ويمالئوهم.
(b) فتوح البُلْدَان: رُهناء وضعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>