للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان مَيمُون الجُرَاجُمَانِيّ عَبدًا رُومِيًّا لِبَني أُمِّ الحَكَم أُخْت مُعاوِيةَ بين أبي سُفيان، وهم ثَقَفيُّون، وإنمَّا نُسِبَ إلى الجُرَاجِمَة لاختَلاطِه بهم، وخُرُوجه بجبَل لُبْنَان معهم، فَبَلغ عَبْد المَلِك عنهُ بأسٌ وشَجَاعة، فسَأل مَوَالِيهُ أنْ يُعتقُوه، فَفَعلُوا، وَقَوَّدَهُ على جَمَاعَةٍ من الجُند وصَيَّره بأَنْطَاكِيَة، فغَزَا مع مَسْلَمة بن عَبْد المَلِك الطُّوانَة وهو على ألفٍ من أهْلِ أَنْطَاكِيَة، فاستُشْهِد بَعدَ بلاءٍ حَسنٍ ومَوقف مشهُور (a) ، فغَمَّ عَبْد المَلِك مُصابُه، وأغْزَى الرُّوم جَيشًا عَظيمًا طَلبًا بِثَأْره.

قالُوا: ولَمَّا كانت سَنَة تسعٍ وثَمانين، اجتَمع الجُرَاجِمَةُ إلى مَدينتهم، وأتاهُم قَومٌ من الرُّوم من قِبَل الإِسْكَنْدَرُونَة ورُوسِس (b) ، فَوجَّهَ الوَلِيد بن عَبْد المَلِك إليهم مَسْلَمة بن عَبْد المَلِك، فأنَاخَ عليهم في خَلْقٍ من الخَلق، فافْتَتَحَها على أن يَنزلُوا بحيث أحَبُّوا من الشَّام، ويُجْري على كُلّ إمرئ منهم ثَمانية دَنَانِير، وعلى عيَالَاتهم القُوْت من القَمْح والزَّيْت، وهو مُديَان من قَمح وقِسْطَان (c) من زَيتٍ، وعلى أن لا يُكرَهُوا ولا أحَدٌ من أولَادهِم ونسائِهم على تَرك النَّصْرانِيَّة، وعلى أن يَلبَسُوا لِباسَ المُسْلِمين، ولا يُؤْخَذُ منهم ولا من أولَادهِم ونسائِهم جِزيةٌ، وعلى أن يَغْزُوا معَ المُسْلِمين، فَيُنَفَّلُوا أسَلَاب من يَقْتُلُونَه مُبَارزة، وعلى أن يُؤْخَذ من تجاراتهم وأموال مُوسِريهم ما يُؤْخَذُ من أمَوال المُسْلِمين، فأخَرَبَ مَدِينَتَهُم، وأنزَلَهُم (d) جَبَل الحَوَّار،


(a) فتوح البُلْدَان: مشهود.
(b) كذا في الأصل وفي فتوح البُلْدَان، وعند المسعودي (مُروج الذَّهب ١: ١٤٢) وياقوت (مُعْجَمُ البُلْدَان ٣: ٨٣) بتوسيط ياء بين السينين: رُوسيس، وعرَّفاها بأنها كورة من كور العواصم راكبة البَحْر بين أَنْطَاكِيَة وطرسوس. وهي اليوم مَدِينَة تركية تقع فوق رأس الخنزير على خط العرض ٣٦.٢٧ والطول ٣٥.٥١، وكانت تسمى قديمًا أرصوص ورُوسوس Rhosus، واسمها الآن أرسوز وأرسوس. موستراس: المعجم الجغرافي ٤٤، ٢٧٦.
(c) وردت في الأصل: قسطار من زيت، والمثبت من فتوح البلاذريّ ٢٢٠، والقَسْطار: هو الَّذي ينقد الدراهم، ويميّز الزّيف فيها، ويسمّيه أهل الشَّام: الجِهْبِذ، وقيل هو الميزان والتَّاجر، أما ما يُكال به الزَّيت، فهو القِسْط. والقِسْطان: نصيبان من زيت كان يرزقُهُا الناس. انظر: لسان العرب، مادتي: قسط، قسطر، الجواليقي: المعرب من الكلام الأعجميّ ٢٥١، ٢٦٣.
(d) فتوح البُلْدَان: وأنزلهم وأسكنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>