للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْرَفُ بابن سُكَّرَة، مَوْلدُه نحو أرْبَع وخَمْسِين وأرْبَعِمائة بمَدِينَة سَرَقُسْطَة، قرأ القُرْآن بها، وسَمِعَ من أبي مُحَمَّد بن فُورْتش، وأبي الوَلِيد البَاجِيّ، وغيرهما وذَاكرَهمُا في الفِقْه، وذَكَرَ أنَّ ابتداءهُ للسَّمَاعِ كان عند البَاجِيّ في شَوَّال سَنَة إحْدَى وسَبْعِين، ثمَّ خرَجَ عن سَرَقُسْطَة سَنَة ثَلاثٍ وسَبْعِين فسَمِعَ ببَلَنْسِيَة والمَرِيَّة من جَمَاعَة، ولقي جلَّةً من فُقَهَاءِ الأنْدَلُسِ ورُوَاتِها.

أخَذَ عن أبي العبَّاسِ العُذْرِيّ ببَلنسِيَة، وبالمَرِيَّة ابن المُرَابِط، وابن سَعْدُون، وعُنِيَ بالحَدِيْث والضَّبْط وحِفْظ أسْماءِ الرِّجَال، وكان مع هذا مَوْصُوفًا بالفَضْل والدِّيْن والعِفَّةِ والصِّدْقِ.

ثمّ رَحَلَ إلى المَشْرِق أوَّل مُحَرَّم سَنَة إحْدَى وثمانين وأرْبَعِمائة في البَحْر، فلَقِي بقايا من شُيُوخ إفْرِيقِيَّة بالمَهْدِيَّةِ، ولَقِي بمِصْرَ الحَبَّالَ والخِلْعِيِّ، وحَجَّ من عَامِهِ فلَتِي بمَكَّة أبا عَبْدِ اللهِ الطَّبَريَّ، وأبا بَكرٍ الطُّرْطُوشِيَّ، وسَارَ إلى البَصْرَة ولَقِيَ أَبا يعلَى المالِكِيّ، وأبا العبَّاس الجُرْجَانِيّ، وأبا القَاسِم بن شَغَبَة الحافِظَ.

وخَرَجَ عنها إلى بَغْدَاد، فسَمعَ في طَرِيْقهِ بوَاسِط، ودَخَلَ بَغْدَادَ مُنْتَصَف جُمَادَى الآخرة سَنَة اثْنَتَيْن وثَمانين، فأطال المقام بها خَمْس سنين كَامِلة حتَّى كَتَب عن الإمَام أبي بَكْر الشَّاشِيّ تَعْلِيقَته الكُبْرَى في مَسَائِل الخِلَاف وتَفَقَّهَ عندَهُ، ولازمَ السَّمَاعَ عند مَنْ أدْرَك بها من جلَّةِ البَغْدَاديِّيْن، ولَقي بها جَمَاعَةً من الخُرَاسَانيِّيْن وغيرهم من الطَّارِئين عليها للحَجِّ من أئمَّة أهْلِ المَشْرِقِ والقَاطِنِيْن بها منهم، ثمّ رَحَلَ عنها في جُمَادَى الآخرةِ سَنَة تِسْعٍ وثَمانين، فسَمِعَ بدِمَشْقَ وغيرها في طَرِيْقهِ من نَصْر الفَقِيه وغيره، وحَصَلت عنده عَوَالي نَفِيسة، وفَوَائِد جَمَّة.

ووَصَل إلى الأنْدَلُسِ في صفَر سَنَة تِسْعين وأرْبَعِمائة، واسْتَقَرَّ سُكْناهُ بمَدِينَةِ مُرْسِيَة، ووَاظبَ الجُلُوسَ للإسْمَاعِ والإمْلَاءِ والرِّوَايةِ والمُذَاكَرَة في مَسَائِل

<<  <  ج: ص:  >  >>