للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجُود بنَفْسهِ بَمْنبِج، قال: ولَقي من المَوْتِ شِدَّةً، فقال رَجُلٌ ممَّن حَضَر وهو في غشْيَة له: اللَّهُمَّ هَوِّن عليه؛ فإنَّهُ كان وكان! فلمَّا أفَاق قال: مَنْ المُتَكلِّم؟ قال المُتَكِلَّمُ: أنا، قال إنَّ مَلَك المَوْت يقُول لك: إنِّي بكُلٍّ سَخِي رَفِيْق. قال: وكأنَّما كانت فَتِيْلَةً أُطْفئَت، فلمَّا بَلَغَ مَوْته ابن هَرْمَة قال (١): [من البسيط]

سَألا عن الجُوْدِ والمَعْرُوف أينَ همُا … فقُلْتُ إنَّهُما مَاتَا مَعَ الحَكَمِ

مَاتَا بم الرَّجُل المُوفِي بذِمَّتِهِ … يَوْم الحفاظ إذا لم يُوْفَ بالذِّممِ

ماذا بمَنْبِج لو تُنْبَشْ (a) مَقَابِرُها … من التَّهَدُّم بالمَعْرُوف والكَرَمِ

قال ابنُ دُرَيْدٍ: فسَألتُ أبا حَاتِم عن قَوْله: لو تُنْبَشْ (b) لِمَ جَزَمَ؟ فقال: قال قَوْمً من النَّحْوِيِّيِن: كَرَاهةً لكَثْرة الحَرَكَاتِ كما قال الرَّاجِزُ: [من الرجز]

إذا اعْوَجَحْن قُلْتُ صَاحِبْ قَوِّمِ … بالدَّوِّ أمْثَالَ السَّفِيْنِ العُوَّمِ

وقال له: لو قال: نُبْشَتْ (c) مَقَابِرُها لاسْتَراح من اللَّبْسِ، وكان كَلَاماً فَصِيْحاً.

أنْبَأنَا أبو القَاسِم عَبْدُ الصَّمَد بن مُحَمَّد، عن أبي المُظَفَّر بن القُشَيْريّ، قال: أخْبَرَنا أبو الفَضْل جَعْفر بن الحُسَين، وأبو أَسْعَد عبد الرَّحْمن بن مَنْصُور، قالا: أخْبَرَنا عَبْدُ الله بن يُوسُف، قال: أخْبَرَنا أبو سَعيد بن الأعْرَابِيّ، قال: حَدَّثَنَا أبو سَعيد السُّكَّريّ، قال: حَدَّثَنَا الزُّبَيْر بن أبي بَكْر (٢)، قال: صَدَّثَني القَاسِم بن مُعْتَمِر، قال: حَدَّثَني ابن مَعْيُوف، عن أَبِيهِ، قال: كُنْتُ فيمَن حضَرَ وفَاهَ الحَكَم بن المُطَّلِب بمَنْبج، فشَدّ عليه، فقال إنْسَانُ: اللَّهُمَّ هَوِّن عليهِ، فأفَاق فقال: مَنْ المُتَكلّمِ؟ فقالوا: فُلَانُ، فقال: هذا مَلَك المَوْت يَقُول: إنِّي بكُلِّ سَخِيّ رَفِيْق، قال: ثُمَّ لَم يَكَلمَّ بعدَها حتَّى ماتَ.


(a) الجريري: تُنشر.
(b) الجريري: تنشر.
(c) الجريري: لو نبشت.

<<  <  ج: ص:  >  >>