أخبرَنَا أحْمَد بن عِمْران، قال: حَدَّثنا مُوسَى، قال: حَدَّثنا خَلِيفَة، قال (١): وفيها - يعني سَنة أربعين ومائة - وجَّهَ أبو جَعْفَر عَبْدَ الوهَّاب بن إبْرَاهِيم بن مُحمَّد بن عليّ لبناء مَلَطْيَة، فأقام عليها سَنَةً حتَّى بَنَاهَا وأسْكنها النَّاس.
قَرَأتُ في كتاب البُلْدان، تأليفُ أبي جَعْفَر أحمد بن يَحْيَى بن جَابِر البَلاذُرِيّ (٢)، وحَكَاهُ عَمَّنَ حدَّثَهُ من أهل الشَّام، قالوا: وَّجه عيَاض بن غَنم حَبِيْبَ بن مَسْلَمَة الفِهْرِيِّ من سُمَيْسَاط (a) إلى مَلَطِيَّة ففَتَحَها، ثمِّ أُغلِقَتْ. فلَّا ولي مُعاوِيَةُ الشَّام والجَزِيرة، وجَّه إليها حَبِيْب بن مَسْلَمَة، ففَتَحَها عنْوَةً، ورَتَّبَ فيها رَابِطَةً من المُسْلِمِيْنَ مع عَامِلهَا، وقَدِمَها مُعاوِيَة وهو يُريد دُخُول الرُّوم، فَشَحَنَها بجماعةٍ من أهْل الشَّام والجزِيرَة وغيرها، وكانت طَريق الصَّوائِف.
ثمّ إِنَّ أهْلَهَا انتقلُوا عنها في أيَّام عَبْد اللّه بن الزُّبَيْر، وخَرجَت الرُّومُ فَشَعَّثَتها ثمّ تَرَكَتْها، فنَزَلها قَوْمٌ من النَّصَارى؛ من الأرْمَن والنَّبَط.
فَحَدَّثَني مُحمَّد بنُ سَعْد، عن الوَاقِدِيّ في إسْنَادِه، قالوا: كان المُسلِمُونَ نَزلُوا طُرَنْدَة بعد أنْ غَزَاهَا عَبْدُ اللّه بن عَبْدِ المَلِك سَنَة ثلاثٍ وثمانين، وبَنوا بها مَسَاكنَ، وهي من مَلَطِيَّةَ على ثلاث مَرَاحِل، وَاغِلَة في بلادِ الرُّوم، ومَلَطِيَّة يَوْمئذ خَراب ليس بها إلَّا ناسٌ من أهل الذِّمَّة من الأرْمَن وغيرهم، فكانت تأتيهم طالعَةٌ من جُنْد الجَزِيرة في الصَّيْفِ، فيُقِيْمُونَ بها إلى أنْ ينزل الشِّتَاءُ وتَسْقُط الثُّلُوج، فإذا كان ذلك، قَفَلُوا.
فلمَّا وَلي عُمَر بن عَبْد العَزِيْزِ، رَحَّلَ أهل طُرَنْدَة عنها وهم كارهُون، وذلك لإشْفَاقه عليهم من العَدُوّ، فاحْتَملُوا فلَم يدعُوا لهم شيئًا حتَّى كَسَرُوا خَوَابِيَ الخَلِّ والزَّيْت، ثمّ أنْزَلَهم مَلَطِيَّة، وأخْربَ طُرَنْدَة، ووَلَّى على مَلَطْيَة جَعْوَنَة بن الحَارِث، أحَدُ بَني عَامِر بن صَعْصَعَة.