للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالُوا: وخَرَج عشرُونَ ألفًا من الرُّوم في سَنَة ثلاثٍ وعشرين ومائة، فنزلُوا على مَلَطْيَةَ، فأغْلَق أهْلُهَا أبْوَابهَا، وظَهَر النِّسَاءُ على السُّور، عليهنَّ العَمَائمُ يُقاتِلْنَ، وخرَجَ رَسُول لأهْل مَلَطْيَة مُسْتَغيثًا، فرَكِبَ البَرِيدَ وسَار حتَّى لحَقَ بهِشَام بن عَبْد المَلِك وهو بالرُّصَافَةِ، فنَدَبَ هِشَامٌ النَّاس إلى مَلَطْيَةَ، ثمّ أتاه الخَبَر بأنَّ الرُّوم قد رَحَلَت عنها، فَدَعَا الرَّسُول فأخْبَرَهُ، وبعثَ معَهُ بخَيْلٍ ليُرَابَط علجها، وغَزَا هِشَامٌ نفسُه، ثمّ نَزَل مَلَطْيَةَ وعَسْكَر عليها حتَّى بُنِيَت، وكان مَمَرُّه بالرَّقَّةِ؛ دَخَلَها مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، ولَم يتقلّدْهُ قبل ذلك في أيَّامِهِ.

قال الوَاقِدِيُّ (١): ولمَا كانت سَنَةُ ثلاثٍ وثلاثين ومائة، أقْبَل قُسْطُنْطِيْن الطَّاغِيَة عَامِدًا لمَلَطِيَّة، وكَمْخ (٢) يَوْمئذٍ في أيْدِي المُسْلِميْنَ، وعليها رَجُل من بني سُلَيْم، فبعثَ أهْلُ كَمْخ الصَّرِيْخَ إلى أهل مَلَطْيَة، فَخَرَج إلى الرُّوم منهم ثمانمائة فَارِس، فواقَعتهم خَيْل الرُّوم فَهَزَمَتْهُم، ومَال الرُّومِيُّ فأنَاخَ على مَلَطْيَةَ فحصَر مَنْ فيها،


(١) النقل عن فتوح اللاذري ٣٦٣ - ٣٦٤.
(٢) كَمْخ kemach: تقع شمال مَدِينَة سميساط، على خط العرض ٣٩.٣٦ والطول ٣٩.٠٢، وهي من الثُّغُور الجَزَرِيَّة، وعدّها خليفة بن خياط من بلاد الجَزِيرَة، وسماها الزوقنيني "قمح"، وهي مَدِينَة حصية على نهر الفرات من غربيه، تقع عل الطريق بين ملطية وزبطرة. وقد بقى متنازعًا عليها بين المُسْلِمين والروم طيلة العهد الأمويّ، يغلب طيها الرُّوم فيفتحها المسلمون، واستمرت على هذه الحال إلى أن فات دولة بني العبَّاس، فتم فتحها في عهد المنصرر سنة ١٤٩ هـ/ ٧٦٦ م، ثمّ أخذها الرُّوم سنة ١٧٧ هـ/ ٧٩٣ م وتمكن عامل شمشاط من استردادها، وبقيت في يد المُسْلِمين إلى أن وقعت الفتنة في الأمين والمأمون، فهرب أهلها واستولى عليها الرُّوم، فلمّا انتهت الفتنة وتمكن عبد الله بن طاهر من القضاء على الثورات التي وقعت في بلاد الشَّام استطاع فتحها من جديد، وهي اليوم مَدِينَة تركية جنوب أرزنكان في ولاية خربوت لواء دَرسِم. انظر: ابن خياط: تاريخ ٤٢٤، الزوقيني: تاريخ ١٢٥، ابن خرداذبة: المسالك ٩٧، قدامة: الخراج ١١٥، ٣١٦، الإدريسي: نُزهة المشتاق ٢: ٨١٢، الوطواط: مناهج الفكر ١: ٣٦١، ياقوت: مُعْجَمُ البلدان ٤: ٤٧٩ (وسأل ياقوت واحدًا من أهلها فسماها له: "كماخ" بزيادة ألف)، موستراس: المعجم الجغرافي ٤٢٦، لسترنج: بلدان الخِلَافَة ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>