للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجَزِيرَة يَوْمَئذٍ مَفْتُونَة، وعَامِلَها من قِبَل بَني العبَّاس مُوسَى بن كَعْب بحَرَّان، فَوَجَّهُوا رَسُولًا لهم، فلم يُمْكنْهُ إعانتَهم (a)، وبَلَغَ ذلك قُسْطُنْطِيْن الطَّاغية، فقال لهم: يا أهْلَ مَلَطْيَةَ؛ إنِّي لم آتُكُمُ إلَّا على عِلْمٍ من أمركُم، وشَاغِل من سُلْطَانِكُم (b)، انْزِلُوا على الأمَانِ، وأخْلُوا المَدِينَة أهْدِمها (c) وأَمْضِي عَنْكم، فأَبَوا عليه، فوضَع عليها المَجَانِيْقَ، فلمَّا جَهَدَهُم البَلَاءُ وأشْتَدَّ عليهم الحِصَار، سألُوه أنْ يُوَثقَ لهم، فَفَعَل، ثمّ اسْتَعَدُّوا للرِّحْلةِ وحَمَلُوا ما اسْتَدَفَّ (d) لهمِ، وألْقُوا كَثِيْرًا ممَّا ثَقُل عليهم في الآبار والمَخَابِئ، ثُمَّ خَرَجُوا، وقامَ (e) لهم الرُّوم صَفَّيْن من باب المَدِينَةِ إلى مُنْقَطع آخرهم مُخْترطي السُّيُوف، طَرَف سَيْف كُلّ إمرئٍ منهم مع طَرف سَيْفِ الّذي يُقابِله حتَّى كأنَّها عقَد قنطَرَة، ثمّ شَيَّعُوهُم حتَّى بَلَغُوا مأمنهُم، وتوجَّهُوا نحو الجَزِيرَة، فتفرَّقُوا فيها، وهَدَم الرُّوم مَلَطِيَّةَ، فلم يبْقُوا منها إلَّا هُرْيها (f)، فإنَّهم شَعَّثُوا منه شيئًا يسيرًا، وهَدَمُوا حِصْن قُلوذَيَة.

فلَمَّا كانت سنَة تِسْعٍ وثلاثين ومائة، كَتَبَ المنَصُور إلى صالح بن عليّ يأمرُهُ ببناءِ مَلَطْيَة وتَحْصِينها، ثمّ رَأى أنْ يُوَجِّه عَبْد الوهَّاب بن إبْرَاهِيم الإمام وَاليًا على الجَزِيرَة وثُغُورها، فتَوَجَّه في سَنَة أرْبعينَ ومائة ومعَهُ الحَسَنُ بن قَحْطَبَة في جُنُودِ أهْل خُرَاسَان، وقَطع البُعُوث على أهل الشَّام والجَزِيرَة، فتَوافَى معَهُ سَبْعُونَ ألفًا، فعَسْكر على مَلَطِيَّة، وقد جَمَعَ الفَعَلَةَ من كُلِّ بَلْدَةٍ، فأخَذ في بنائها، فكان الحَسَن بن قَحْطَبَة ربَّما حَمَلَ الحَجَر حتَّى يُناولَهُ البنَاءَ، وجَعَل يُغدِّي النَّاسَ ويُعَشِّيْهم من مالهِ مُبْرِزًا


(a) فتوح البلدان: إغاثتهم، وفي نسخة منه ما يوافق المثبت.
(b) فتوح البلدان: وتشاغل سلطانكم عنكم.
(c) فتوح البلدان: أخرجها.
(d) فتوح البلدان: ما استدقَّ، بالقاف وصوابه الفاء، حملوا ما استدَفَّ لهم: أي ما تهيَّأ لهم حمله وأمكن وتسهَّل. لسان العرب، مادة: دفف.
(e) فتوح البلدان: وأقام.
(f) فتوح البلدان: إِلَّا هُرْيًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>