للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَطَابِخَهُ، فغاظ ذلك عَبْد الوهَّاب، فبَعَثَ (a) إلى أبي جَعْفَر يُعلمه أنَّه يُطْعِم النَّاسَ، وأنَّ الحَسَن يُطْعمُ أضْعَاف ذلك التِمَاسًا لأنْ يَطُولَه ويُفْسِد ما يَصْنَع ويُهجِّنه بالإسْرَاف والرِّيَاء، وأنَّ لَهُ مُنَادِينَ يُنادُونَ النَّاس إلى طَعامِه، فكَتَبَ إليهِ أبو جَعْفَر رَحْمةُ الله عليه: يا صَبِيّ، يُطْعِمُ الحَسَنُ من مَالِه، وتُطْعِمُ من مالي فيَفْضُلكَ، ما أُتِيْتَ إِلَّا من صِغَر خَطرك، وقِصَر (b) هِمَّتِكَ، وَسَفَه رأيك! وكَتَبَ إلى الحَسَن: أنْ أطْعِم ولا تَتَّخذ مُنادِيًا. وكان الحَسَنُ يقُول: مَنْ سَبَقَ إلى شُرْفَةٍ فَلَهُ كَذَا، فَجَدَّ النَّاسُ في العَمَل حتَّى فَرَغُوا من بناء مَلَطِيَّة ومَسْجِدهَا في ستَّة أَشْهرٍ، وبُني للجُنْدِ الّذين أُسْكِنُوها لكُلِّ عِرَافَةٍ بَيْتَان سفليَّان، وعليَّان (c) فَوْقهما، وإِصْطَبْل، والعِرَافَة: عَشَرة نَفَرٍ إلى الخَمْسَة عَشَر، وبَنَى لها مَسْلَحَةً على ثلاثين مِيْلًا منها، ومَسْلَحَةً على نَهْرٍ يُدْعَى قُباقِب، يَدْفَع في الفُرَاتِ، وأسْكن المَنْصُور مَلَطْيَةَ أرْبَعة آلاف مُقَاتِل من أهْلِ الجَزِيرَة، لأنَّها من ثُغُورهم، على زيَادَة عَشَرةِ دَنَانِير في عَطَاءِ كُلِّ رَجُلٍ، ومَعُونَة مائة دِيْنار سوى الجُعْل الّذي يَتَجَاعَلَهُ القَبَائِل، ووضَعَ فيها شِحْنَتها من السِّلاح، وأقْطَعَ الجُنْدَ المَزَارِع، وبني حِصْن قلوْذَيَةَ (d)، وأقْبَل قُسْطُنْطِيْن الطَّاغِيَة في أكثر من مائةِ ألْفٍ، فنَزَل جَيْحَان، فبلغَهُ كثرة العَرَب، فأحْجَم عنها.

قال (١): وفي سَنَة إحْدَى وأربعينَ ومائة، غَزَا مُحمَّدُ بن إبْرَاهِيْم مَلَطِيَّة في جُنْد من أهل خُرَاسَان، وعلى شُرْطَتِهِ المُسَيَّب بنُ زُهَيْر، فرابَطَ بها لئلَّا يَطْمَع فيها العَدُوّ فيراجع إليها مَنْ كان باقيًا من أهْلها، وكانت الرُّوم عرضت لَمَلَطِيَّة في


(a) فتوح البلدان: فكتب.
(b) فتوح البلدان: وقلَّة، وفي نسخة منه ما يوافق المثبت.
(c) فتوح البلدان: عُلِّيَّتان، ومثله عند ابن الفقيه: كتاب البلدان ١٦٣، نقلًا عن الوَاقِدِيّ.
(d) فتوح البلدان مجودًا: قَلُودِيَة، وعند ياقوت: مُعْجَمُ البلدان ٤: ٣٩٢: قَلَوْذِيَة، والمثبت مع ضبطه من الأصل، ويوافق: ابن الفقيه: كتاب البلدان ١٦٣، قدامة: الخراج ٣١٨، ابن شدَّاد: الأعلاف الخطيرة ١/ ٢: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>