قَرأتُ بخَطِّ الوَزِير جَمال الدِّين أبي غَالِب عَبْد الوَاحِد بن مَسْعُود بن الحُصَيْن البَغْدَاديّ في كتابهِ ذِكْر الشُّعَراء على حُرُوف المُعْجَم (١)، وأنْبَأنا بهِ إجَازَةً عنه أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النَّجَّار البَغْدَاديُّ، قال: حَمَّاد بن مَنْصُور بن حَمَّاد بن خَلِيفَة بن عليّ البُزَاعيِّ، مَوْلده بحَلَب في سَنَة ثَمان عَشرة وخَمْسِمائَة، وكان رَجُلًا صَالِحًا، كَثِيْر العِبَادَةِ، قَيِّمًا بتلَاوة القُرْآن، وخَبِيْرًا بالقِرَاءَات ووُجُوهها وتَعْليْلها، وله أشْعَارٌ كَثِيْرَةٌ، مَشْحُونةٌ بالحِكْمَة والمَوَاعِظ والآدَاب، لم يَسْأل قَطّ في شِعْره ولا رَغِبَ بهِ إلى مَلِكٍ ولا سُوْقَةٍ.
سَمِعتُ مُهَذَّب الدِّين أبا الحَسَن عليّ بن فَضْل الله بن الدَّقَّاق الحَلَبِيّ يُثْني على حَمَّادٍ البُزَاعِيّ كَثيرًا، ويقُول: كان حَمَّاد مُكَمَّلًا قد جَمَعَ بين حُسْنِ الكتابة والشِّعْر والنَّحو والقُرْآن واللُّغَة، وأخَذَ من كُلِّ عِلْم بطَرف حَسَنٍ، وكان عنده دِيْنٌ مَتِينٌ، وله بَركَةٌ على مَنْ يُعَلِّمهُ، ونَفَسٌ صالِح، رَحِمَهُ اللهُ.
سَمِعتُ الشَّريفَ شَمْس الدِّين أبا عليّ الحَسَن بن زُهْرَة العَلَويَّ الحَلَبِيَّ النَّقِيْبَ بها يَقُول: لمَّا قَدِمَ القَاضِي الفَاضِل - يعني عبد الرَّحيم بن عليّ البَيْسَانِيّ - حَلَب، اجْتَمَعِ به الأُسْتَاذ حَمَّاد البُزَاعِيّ وامْتَدَحَهُ، ورَأى ما عندَهُ من الفَضائِلِ فاحْتَرمَهُ وأكْرَمَهُ وعَظَّمَهُ، وتظلَّم الدَّهْرَ له كيفَ أَلْجَأهُ إلى التَّعْليْم، وخَلَع عليه، ووَصَلَهُ صِلَةً أعانَتْهُ على دَهْرهِ، وعاشَ بها مُدَّةً.
سَألتُ الشَّيْخ أبا عَبْد اللهِ مُحَمَّد بن أبي سَعْد الحَلَبيَ الزَّاهِدَ عن الأُسْتَاذِ
(١) مؤلفه هو: أبو غالب عبد الواحد بن مسعود بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني الكاتب (ت ٥٩٧ هـ)، ونقل ابن العديم عن هذا الكتاب في كتابه الإنصاف والتحري (ضمن إعلام النبلاء) ٤: ١٠٠، وسماه: المختار من أشعار الشعراء، ولمؤلفه كتاب في التاريخ ذيل به تاريخ الطبري ونقل عنه ابن العديم في العديد من التراجم. وانظر ترجمته في: تاريخ ابن الساعي ٧٦، التكملة للمنذري ١: ٣٩٨.