سَمِعْتُ، الشَّيْخ الصَّالِح أبا عَبْد اللّه مُحَمَّد بن أبي سَعْد الحَلَبِيِّ يَقُول: أرْسَلَني وَالدِي إلى الأُسْتَاذ حَمَّاد البُزَاعِيِّ وقال: [قُلْ] (a) له على لسَاني: إنَّنِي قد عَملتُ مِنْطَقَة لدَاري وأُرِيْدُ أنْ أكْتُب عليها أَبْيَاتًا من الشِّعْرِ، فاكْتُب لي شيئًا تقُوله على البَدِيْهَة حَاضِر الوَقْت، قال: فكَتَبَ في رُقْعَةٍ هذه الأبْيَات وأنْفَذها، قال لي أبو عَبْد اللّه وأخَذْتُها عنهُ:[من السريع]
يا عَامِرَ الدَّار الّذي قلبُه … فيها بذِكْرِ اللهِ مَعْمُورُ
بمثْلِ ما أسَّسْتَ منها على الـ … ــتَّقْوَى بحقٍّ تُرْفَعُ الدُّوْرُ
أوْضَحْتَ في الدُّنْيا طَرِيقًا إلى الأُ … خْرى بِهِ سَعْيُكَ مَشْكُور
فاسْعَدْ ودُمْ وَابْقَ مُهَنًّا بها .. دَار لها البَهْجَةُ والنُّورُ
مَحْرُوسَةٌ بالخَيْر مَأنُوسَةٌ … مِن رَحْمَةِ اللهِ لها سُورُ
سَمِعتُ القَاضِي أبا مُحَمَّد الحَسَنَ بن إبْرَاهيم بن الخَشَّابِ يقُول لي: مَدَحَ الأُسْتَاذُ حَمَّاد البُزَايِّ وَالِدَكَ لمَّا وَلي قَضَاء حَلَب بقَصِيدَةٍ ضَاديَّةٍ، ودَخَل إلى وَالدِي وعَرَضَها عليه بعد أنْ أنْشَدَها وَالدَكَ، فأَخَذَها وَالدِي منه وهي بخَطِّهِ فناولنيها لأكْتُب على خَطِّهِ وأنا إذ ذاك صَبِيٌّ، وسَمِعْتُها من لَفْظه وهو يُنْشدُها وَالدِيّ، فلَم يَبْقَ على خَاطِري منها غَير بَيْتٍ واحدٍ، وهو قَولُهُ:[من الكامل]
وغَدَا بنجم الدِّين وابنِ جَمَالِهِ … مُتَولِيًّا أمر الشَّريْعَة والقَضَا
قَرأتُ بخَطِّ أبيِ غالب بن الحُصَيْن، وأَنْبَأَنَا به عنهُ أبو عَبْد اللّهِ بن النَّجَّار، قال: ووفاته بها - يعني وفَاة حَمَّاد بحَلَب - في سَنَة ثَمانين وخَمْسِمائَة.
وقال لي نَسِيْبُ حَمَّاد المُهَذَّب عليِّ بن مَحْمُود بن عليّ البُزَاعِيِّ: ماتَ حَمَّاد بعِلَّة السِّلّ.