للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان كَاتبًا سَدِيْدًا، حَاذِقًا بَلِيْغًا، لهُ الإنْشَاءُ الحَسَنُ، والنَّظْمُ والنَّثْر الجَيِّدان، وكان يُنْشئ الكِتَاب من أسْفَلِهِ إلى رَأسهِ على أحْسَنِ قَانُون من غير توقُّفٍ، اشْتَهر عنه ذلك، وكان قد اشْتَغَل بالحَدِيْثِ؛ فسَمِعَ منه الكَثِيْر على أبي طَاهِر السِّلَفِيّ ومَنْ دُونَهُ بالدِّيَار المِصْرِيَّةِ، وحصَّل الأُصُولَ المِلَاحَ، وفهم منه طَرفًا حَسَنًا.

وخافَ من ابن شُكْرٍ وَزِير المَلِك العادِل أنْ يقصدَهُ بأذىً، فإنَّهُ كان مُغْرىً بقَلْعِ البُيُوت الأصِيْلةِ في التَّقَدُّمِ، فهَرَبَ إلى الشَّام، واتَّصَل بخِدْمَة المَلِك الظَّاهِر صَاحِب حَلَب، فَأحْسَن قِرَاهُ وأكْرَمَهُ، وكان يُرَاسِل به الأطْرَافَ، وأرْسَلَهُ مَرَّتَين إلى بَغْدَادَ إلى الدِّيْوَان العَزِيز؛ الأُوْلَى في أوَاخر سَنَة اثْنَتَيْن وسِتّمائة فنَرَل بالجانب الغَرْبيّ، وقَصَدْناهُ للسَّمَاع عليه، فوَجَدناهُ شَيْخًا فَاضِلًا، حَسَن المَعْرفَةِ بالحَدِيْثِ، ذا أخْلاقٍ رَضيَّةٍ، وسِيْرة مَرْضِيَّةٍ، سَمِعْنا منه كتابَ الدُّعَاء للمَحَامِليّ عن السِّلَفِيِّ، ولَم ألْقَهُ بعد ذلك، وكان صَدُوقًا.

قال لي الرَّشِيْدُ أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن عَبْد العَظِيْم بن عَبْدِ القَوِيّ المُنْذِريّ: كان ابن عُثْمان بعدَ عَوْدهِ إلى الدِّيَار المِصْرِيَّة أكْرَمَهُ الوَزِيرُ ابن شُكْر، وزالَ ما كان في نَفْسه منه، فحَضَر ذات يَوْم مَجْلسَهُ وهو جالسٌ إلى جَنْبهِ وحَادَثَه، فأطْرقَ ابن عُثْمان وماتَ فَجْأة، فأحْضَر ابنُ شُكْرٍ جَمَاعَةً وأشْهَدَهُم على ذلك خَوْفًا من أنْ يُنْسَب إليه أنَّهُ تَسَبَّبَ إلى ذلك.

قال لي الرَّشِيْدُ مُحَمَّد بن عبد العظيم (١): سَمِعْتُ وَالدِي يَقُول: تُوفِّي أبو القَاسِم حَمْزَة بن أبي الحَسَن عليّ بن عُثْمان القُرَشِيّ فجْأةً في سَلْخ ذِي الحِجَّة سَنَة خَمْس عَشرة وسِتّمائة، قال: وسَمِعْتُه يَقُول: مَوْلدِي في العَاشِر من شَوَّال سَنَة سَبْعٍ وأرْبَعين وخَمْسِمائَة.


(١) قارن بالتكملة لوفيات النقلة ٢: ٤٥٠ - ٤٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>