للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذَكَرَ لي بعضُ بني أُسامَة الحلبِيِّيْن أنَّهُ ما زال مُسْتَمرِا في الخَطَابَةِ للمِصْرِيِّيْن بالبَيَاضِ إلى آخر سَنَة خَمْسٍ وسَبْعِين وأرْبَعِمائة وليس كذلك، بل خَطَبَ لبني العبَّاس بالسَّوَادِ في سَنَة اثنتَيْن وسِتِّين وأرْبَعمائة في أيَّام مَحْمُود، ثمّ أعادَ الخُطْبَة للمِصْرِيِّيْن حين حَصَرهُ ألْب أَرَسْلَان، ثمِّ أعَادَها لبني العبَّاس في سَنَة ثَلاثٍ وسِتِّين حين خَرَجَ إلى ألْب أَرَسْلان وأطاعهُ، واسْتَمَرَّت الخُطْبَة لبني العبَّاس إلى زمَن رِضْوَان كما ذَكَرناهُ.

وسَمِعَ أبو تُرَاب الخَطِيب الحَدِيْث من أبي عُبَيْد الله عَبد الرَّزَّاق بن أبي نُمَيْر العَابِد الأسَدِيّ. سَمعَ منهُ وَلدَاهُ: أبو القَاسِم عَبْد الله بن حَيْدَرة، وأبو الفَرَج عَبْد الوَاحِد بن حَيْدَرة، وعبدُ اللهِ بن عَبْد السَّلام النَّائِب بحَلَبَ.

قَرأتُ بخَطِّ أبي عَبْد الله مُحَمَّد بن عليّ العُظَيْميّ (١)، وأخْبَرَنا بهِ أبو اليُمْن الكِنْدِيّ إذْنًا عنه، قال: وفي هذه السَّنَة - يعني سَنَة تِسْعين وأرْبَعِمائة - خَطَبَ المَلِكُ رِضْوَان بحَلَب للمِصْرِيِّيْن، وكان الخَطِيب أبو تُرَاب؛ له حِكايَةٌ مَعْرُوفة، وكان هذا الخَطِيبُ رَأى مَنامًا أنَّهُ لا يَمُوتُ حتَّى يعُود يَخْطبُ للمِصْرِيِّيْن دفعةً ثانيةً، لأنَّهُ خَطَبَ لهم بحَلَب في حِصَار السُّلْطانِ العَادِل فكان كذلك.

قَرأتُ في خُطَب أبي تُرَاب حَيْدَرة من نُسْخَةٍ بخَطِّ وَلده، وقَرأها عليه: أيُّها النَّاسُ، العَجَل العَجَل، قبل مُرافَصَةِ الأجَل، وظُهُور القَلَقِ والوَجَلِ، ومقام التَّوْبيخ والخَجل، عند الوقُوف بين يَدَي الله عزَّ وجلَّ، فكأنَّكُم بطَارِق المَنِيَّة، قد قَطَع الأُمنيَّة، ونَزَل الحَقُّ الصُّرَاح، فنَادَى بعِزٍّ لا بَرَاح، فلو أنَّ له ما في الأَرْض جَمِيعًا ومثْلَه مَعَه، ما دفَع عنه مانَزَل بهِ ولا نَفَعَه، فعَلَتِ الضَّجَّة، عند تلَفِ المُهْجَة، وأُرْملَتِ الصَّاحِبة، ونَدَبَتِ النَّادِبة، ووَجَبَت نقلَتُه من مَنْزِله وإزْعَاجُه،


(١) بعضه مختصرًا في تاريخ حلب للعظيمي ٣٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>